للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الحكمة لم تكن لتتحقق إذا لم ينفر بعض المسلمين -الذين تتوفر فيهم أهلية الإمامة- لإِقامة مهمة الاجتهاد، وهم موقنون بأنه تكليف حتم عليهم لا يسعهم إلا إقامته بقدر استطاعتهم وإلّا أثموا جميعًا (١).

٤ - كشف شبهة الذين يزعمون أن هذا الدين خاص بزمان قد مضى وليس له من الأمر شيء في حكم تطورات المجتمعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأن ذلك متروك لأهل كل عصر يحكمون أنفسهم بما يرونه مناسبًا من الأنظمة اتباعًا للمصالح بزعمهم، أو الحكم بالنظام الإِسلامي ولكن بعد خلطه بالنظم الأخرى الوضعية أمثال القوانين الأوروبية، وإخضاعه لروحها وطبيعتها، وذلك مسايرة لروح العصر ومدنية الغرب (٢).

والاجتهاد هو الطريقة العملية لبيان حقيقة الشمول في الشريعة، فإذا نظر المجتهدون في المسائل الجديدة وأدخلوها تحت حكم الشريعة إمّا بطريق القياس أو بطريق العموم أو عن طريق اعتبار المصالح التي شهد الشرع لنوعها أو جنسها، فإن ذلك يثبت للمخالفين في واقع الأمر شمول هذه الشريعة لكل المسائل الجديدة التي تنشأ بسبب تطور المجتمعات المادي، وبذلك تدحض شبهتهم وتقام الحجة عليهم ويتبين للمؤالف والمخالف زيفهم وافترائهم على هذه الشريعة.

أما المؤمنون فيزدادون إيمانًا إلى إيمانهم، وأصل الإِيمان متحقق فيهم بلا شك، ذلك بأنهم موقنون بأن الله العليم الحكيم قد أنزل شريعته وهي مبرئة من كل نقص وعوج لا تبديل لها قد فصلها تفصيلًا لا يخرج عن حكمها شيء علمه من علمه وجهله من جهله.


(١) بحيث يأثم من تحققت فيه الأهلية ولم يجتهد في طلب العلم، ويأثم من بقي من الأمة، إذا لم يبذل جهده في حمل القادرين على أهلية الإِمامة لتحقيق مهمة الاجتهاد، الموافقات ١/ ١١٤.
(٢) ثم التسسوية بين الشريعة والقوانين الوضعية وسيأتي في الباب الأخير عرض هذه الشبه ومناقشتها إن شاء الله تعالى.

<<  <   >  >>