فلم يبق إلا استكمال عملية البناء وبذل الجهد لاستمرار هذه العملية فيتحقق للأمة بإذن الله ما تحتاجه من كشف جديد عن بعض الأحكام ويتحقق لها تصحيح ما يحتاج إلى تصحيح من جهد السابقين، فيجمع الله لها حينئذ بين الاستفادة من الكتاب والسنة والاقتداء بمن سلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وأكرم بهم من قدوة، تعين على تحقيق تلك المهمة وربط هذه الأجيال بالكتاب والسنة، وإذا قام العلماء بهذه المهمة على هذا النحو -وهي في الوسع والحمد لله- تحصنوا وحصنوا أمتهم في ذلك الحصن الآمن وأكملوا البناء من حيث المحافظة عليه باستمرار عملية الكشف عما يحتاجون إليه وباستمرار عملية التصحيح فيما عساه يحتاج إلى التصحيح، وفي هذا تحقيق لحكمة الاجتهاد وتحقيقًا لمهمة الاقتداء ومحافظة على عملية البناء وربط آخر هذه الأمة بأولها لتقوم بمهمتها بما لديها من طاقات، ولا يقول قائل إن هناك فرقًا بين قدرات العلماء اليوم وقدراتهم فيما مضى، لأنا نقول ما نحتاجه اليوم إنما هو استكمال لا تأسيس والاستكمال لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه التأسيس.
ونحن نحتاج أشد ما نحتاج إلى عملية الاجتهاد، وهي تحتاج إلى صدق المتابعة للجيل القدوة، والإخلاص والتجرد حتى ييسر الله لها أن تتحصن بذلك الحصن الآمن فلا تضل بها الأهواء وتقع في آثار الفكر المنحرف سواء ما أنشأته الفرق الضالة أو ما صدرته المذاهب الفكرية المعاصرة.
وأما الطاقة العلمية ففيها كفاية بإذن الله لعملية استكمال البناء وخاصة إذا ضاعف العلماء المخلصون جهدهم واستفادوا مما ورثه لهم فقهاء السلف -رحمهم الله-.
وفي المباحث التالية حديث عن أنواع الاجتهاد وأهم شروطه وضوابطه فيه توجيه لعملية الاجتهاد بحيث تتحصن بذلك الحصن الآمن ويتحقق بذلك الثبات والشمول .. والله الموفق والمعين.