هذا بعض ما يسر الله لي بيانه من حكمة "الاجتهاد" وفيه دلالة قوية على أنه ضروري لإِقامة الحياة الطبيعية لهذه الأمة، ولاستمرار تجدد نشاط المجتمع الإِسلامي في القيام بمهمته، وهو السبيل الأعظم لحفظ هذا المجتمع وحفظ عقيدته وشريعته من حيث ثباتها وشمولها ولنشر هذا الدين في الأمم الأخرى ولتطبيق الأحكام على الحوادث المتجددة، وفي هذا البيان كفاية لمحاولة العودة بالاجتهاد إلى طبيعته الأولى في الجيل الأول ليقوم بمهمة الكشف والتصحيح، ونقصد بالكشف: استخراج الكنوز من هذه الشريعة والكشف عما تضمنته من المعاني، ونقصد بالتصحيح: البناء على تلك الكنوز التي ورثها لنا الاجتهاد الشرعي الذي قام به أئمة السلف وتصحيح ما يحتاج إلى التصحيح، وبهذا تستمر عملية الاجتهاد كشفٌ وتصحيح، وأصل مشروعية هذين الأمرين معلوم من الدين بالضرورة، كيف لا وهو المعنى الذي دل عليه الإِجماع كما أشرت إليه سابقًا، وحكمته كما تبينت لنا لها دلالتها القوية على ذلك.
وإذا كان المصلحون ينادون بالرجوع إلى ذلك الجيل -القدوة في منهج التلقي وتصحيح العقيدة والإِخلاص والتجرد وإحسان العمل بهذا الدين والدعوة إليه- فإن من معالمه التي برزت فيه ونحن في أشد الحاجة إليها اليوم -نظرته لعملية الاجتهاد- فلنأخذها عن الجيل القدوة باطمئنان وثقة ويقين، ولتستمر عملية الكشف عن كنوز هذه الشريعة ولتستمر عملية التصحيح، ولنعزم على الاقتداء وعلى بذل الجهد المستطاع.
وإن الاجتهاد الذي كلف الله به هذه الأمة وجعله ضروريًا لحياتها -كما بينا ذلك- لابد أن يكون في الوسع، وآية ذلك أن اجتهاد العلماء اليوم إنما هو مكمل لجهد علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .. فالقاعدة له ثابتة راسخة وأعمدتها قائمة مستكملة بل إن أكثر فروع البنيان تعجب الناظرين