للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا المعنى ما أشار إليه فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين حيث قال في رسائل الإِصلاح ويجب عليه أن يختار على علم عند اختلاف علماء اللغة في قاعدة لغوية أو خاصية أسلوب من أساليب الكلام مما يتغير فهم النص من النصوص الشرعية على كل مذهب (١).

وقد ناقش الدكتور الأفغاني هذا القول بأنه يقتضي تجزؤ الاجتهاد في اللغة، فقد أضاف إلى الشيخ محمد الخضر حسين أنه يقول بأن هذه الدرجة هي درجة الاجتهاد في اللغة، وهو لا يرى أن الأمر كذلك إذ كيف ينتج النظر في بعض قواعد العربية -والترجيح والاختيار لصاحبه درجة الاجتهاد- وهي معدودة محدودة (٢).

والجواب: أن مقصوده أن درجة الاجتهاد في اللغة لا تنال إلّا بالملكة والقدرة على الاستنباط والترجيح وفهم المقاصد، وهو مقصود الشاطبي , أما الجمع والإحاطة فليست شرطًا، وكون مسائل الاجتهاد في اللغة والترجيح محدودة -إن صح- لا يهون من شأنها .. فإن من استطاع النظر والترجيح مجتهد، إذ لا يمكن ذلك إلّا بتحقق الملكة والمقدرة على الاستنباط والترجيح وفهم المقاصد .. وهذا هو الاجتهاد.

والقدرة على الاجتهاد فيها لا يلزم منه الإِحاطة باللغة والبت في جميع مسائلها -فإن ذلك لا يكون لغير نبي كما صرح الشافعي.

فقد يكون المجتهد، عربي الفهم بحيث يصير له فهم خطاب العرب وصفًا غير متكلف ولا متوقف فيه في الغالب كما كان شأن الصحابة كابن عباس وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهم -، ومع ذلك يجوز له التقليد في بعض المسائل ولا يوجب ذلك رفع وصف الاجتهاد عنه ولا يمنعه ذلك من أن يكون نظره معتبرًا في الشريعة.


(١) رسائل الإصلاح لمحمد الخضر حسين -الناشر دار الاعتصام- القاهرة ٢٠/ ١١٤.
(٢) الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه في هذا العصر ١٦٩ - ١٧٠.

<<  <   >  >>