للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحوه ولايشترط أن يكون حافظًا لها عن ظهر قلب .. وإنما يتمكن من معرفة معانيها وخواص تراكيبها وما اشتملت عليه من لطائف المزايا من كان عالمًا بعلم النحو والصرف والمعاني والبيان حتى يثبت له في كل فن من هذه ملكة يستحضر بها كل ما يحتاج إليه عند وروده عليه، فإنه عند ذلك ينظر في الدليل نظرًا صحيحًا ويستخرج منه الأحكام استخراجًا قويًا" (١).

ثم حذر كما حذر الشاطبي: فقال مؤكدًا على اشتراط الملكة:

"ومن جعل المقدار المحتاج إليه من هذه الفنون هو معرفة مختصراتها أو كتاب متوسط من المؤلفات الموضوعة فيها فقد أبعد، بل الاستكثار من الممارسة لها والتوسع في الاطلاع على مطولتها مما يزيد المجتهد قوة في البحث وبعدًا في الاستخراج وبصيرة في حصول مطلوبه، والحاصل أنه لا بد له من الملكة القوية في هذه العلوم، وإنما تثبت هذه الملكة بطول الممارسة وكثرة الملازمة لشيوخ هذا الفن" (٢).

وبهذا الذي قاله الشوكاني يخرج الناظر في الشريعة من رتبة المقلدين وإن لم يرتفع إلى رتبة سيبويه والأصمعي.

ويؤكد ذلك ما قاله الجويني وهو يتحدث عن إحدى صفات المجتهد وهي العلم بالعربية، يقول: "ولا يشترط التعمق والتبحر فيها حتى يصير الرجل علامة العرب ولا يقع الاكتفاء بالاستطراف وتحصيل المبادئ والأطراف، بل القول الضابط في ذلك أن يحصّل من اللغة العربية ما يترقى به عن رتبة المقلدين في معرفة الكتاب والسنة وهذا يستدعي منصبًا وسطًا في علم اللغة العربية" (٣).

وهذه النصوص تجتمع على إفادة معنى واحد وهو أن يكون الناظر في الشريعة


(١) إرشاد الفحول ٢٥١ - ٢٥٢.
(٢) إرشاد الفحول ٢٥١ - ٢٥٢.
(٣) غياث الأمم للإمام الجويني ٢٩٠ - تحقيق ودراسة فؤاد عبد المنعم ومصطفى حلمي - الطبعة الأولى - دار الدعوة.

<<  <   >  >>