للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسطًا في العربية بين المقلدين وبين أمثال سيبويه والأصمعي، وذلك بأن يكون له من الملكة ما يرتفع به عن رتبة المقلدين وإن لم يرتفع إلى رتبة أئمة العربية، ويقول في موضع آخر وهو يتكلم عن شروط الاجتهاد: "الاستقلال باللغة العربية فإن شريعة المصطفى متلقاها ومستقاها الكتاب والسنن، وآثار الصحابة ووقائعهم وأقضيتهم في الأحكام وكلها بأفصح اللغات وأشرف العبارات فلابد من الارتواء من العربية فهي الذريعة إلى مدارك الشريعة" (١).

ومقصد الشاطبي هو مقصد الجويني وغيره من الأصوليين ممن نقلت نصوصهم آنفًا وهو أن يكون الناظر في الشريعة مقتدرًا على معرفة مدارك الأحكام ومسالك الحلال والحرام ولا يتمكن من ذلك إلّا من فهم خطاب العرب الذي نزل القرآن بلغتهم، وهذا هو منهج الصحابة كما قال الجويني: "إنا سبرنا أحوال المفتين من صحب رسول الله الأكرمين فالفيناهم مقتدرين إلى مدارك الأحكام ومسالك الحلال والحرام ولكنهم كانوا مستقلين بالعربية، فإن الكتاب نزل بلسانهم، وما كان يخفى عليهم من فحوى خطاب الكتاب والسنة خافية" (٢). والحديث هنا عن جماعة الصحابة - رضي الله عنهم -، فإن اللغة لا تضيع من مجموع الأمة في عصر من العصور كما قال الإِمام الشافعي .. وأما عن أحدهم فلا يتمكن منها غير نبي، وقد مر ما نقلته عن الشاطبي من أن المجتهد في اللغة قد يرجع إلى غيره إن أشكل عليه وذكر من فعل الصحابة ما يدل على ذلك، ويفسر كلام الجويني بالاستقلال هنا وأنه في معنى كلام الشافعي والشاطبي قوله: "إن اشتراط المصير إلى مبلغ لا يحتاج معه -أي المجتهد- إلى طلب وتفكر في الوقائع محال .. " (٣). وفي معنى الطلب المشاورة التي أشار إليها الشاطبي، حيث بين أن المجتهد يحتاج إلى المشاورة لغيره والاستظهار بما عنده، وظاهر من مجموع كلام الجويني اشتراط الملكة التي تعين


(١) المصدر نفسه ٢٨٦.
(٢) غياث الأمم للإِمام الجويني ٢٩٢.
(٣) المصدر نفسه ٢٩١.

<<  <   >  >>