للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والوسيلة التي يكتسب بها قوة يفهم بها مقصود الشارع هي جملة معارف أشار إليها الأصوليون (١).

فإذا اكتسب هذه المعارف كمعرفة الكتاب والسنة وقواعد الشريعة وأصول الفقه والعربية .. لكن لم يتمكن بعد اكتساب هذه المعارف من فهم مقاصد الشريعة لأن تلك المعارف لم تصبح له ملكة فإنه والحال كذلك لم يبلغ درجة الاجتهاد.

وقد تبين عند دراسة أثر العلم بالعربية على إدراك شمول وثبات الشريعة أن المقصود هنا هو تحقق الملكة لا مجرد الحفظ والنقل وكذلك القول عند ذكر الشرط الثاني وهو معرفة مقاصد الشريعة وقبل النظر في أثر علم المقاصد على إدراك ثبات وشمول الشريعة، نشير إلى وجه الربط بين اشتراط علم العربية وعلم المقاصد، ووجه الربط بيخهما: أن من اتبع معهود الأميين وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم علم أن العرب تجمع بين اعتبار المعاني واعتبار الألفاظ، ولا ترى للألفاظ تعبدًا بحيث تهدر معها المعاني، كما أنها لا تعتبر المعاني فقط وتهدر الألفاظ، بل تبني على أحدهما مرة وعلى الآخر مرة.

وقد استدل الإِمام الشاطبي على ذلك في كتابه الموافقات (٢) بأن العرب جرت في كلامها على الاستغناء ببعض الألفاظ عما يراد منها أو يقاربها في المعنى بشرط أن يستقيم المعنى وذلك يدل على أنها لا تعتبر الألفاظ وحدها وإنما تعتبر


(١) أشرت من قبل ص ٢٧٨ - ٢٤٥ إلى وجه الربط بين علم العربية وقواعد أصول الفقه. وذكرت من كلام الإِمام الشافعي في الرسالة ما يدل على ذلك، وهنا أشير إلى أن إدراك المقاصد فرع عن النظر في مجموع أدلة الكتاب والسنة والتمييز بين ما تصح نسبته إلى الشرع وبين ما لا تصح نسبته إليه، والنظر في مواضع الإِجماع واستعمال القياس، وهذا يؤكد ما قلته سابقًا من أن هذين الشرطين لهما من الأهمية المكان الأسمى، وذلك لتضمنهما لبقية الشروط ولأن تحققهما دال على وجود الملكة عند الناظر في الشريعة، فإذا علم مقاصد العربية ومقاصد الشريعة فقد حاز الملكة أحاط بالمفردات أم لا، وإذا لم يعلمهما لم يظفر بالملكة وإن حفظ من المفردات ما حفظ.
(٢) ٢/ ٥٦.

<<  <   >  >>