للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو متواكب مع إعجاز الخلق لما نرى من الآيات الكونية، بل هو كما تبين فيما سبق مطبوع بطابع الإِعجاز الخلقي للكون، فالإعجاز التشريعي -الذي يعجز عن الإتيان بمثله أو بشيء منه البشر أجمعون- هو صادر عن إرادة الله في إنزال القرآن - الذي هو كلامه سبحانه - والإعجاز في خلق الكون وآياته ما علمنا منها وما لم نعلم - الذي يعجز عن خلق شيء منه البشر أجمعون - هو صادر أيضًا عن إرادته سبحانه حيث يقول للشيء كن فيكون، ولذلك كان سمة الإِعجاز في الموضعين واحدة حيث طبع بطابع الكمال والثبات والشمول.

ولذلك فإن هذين الإعجازين لا ينقطعان، أما الإِعجاز الكوني فكما قال سبحانه:

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (١).

وأول صفاته ضخامته وتعدد مواضعه وكثرة خصائصه وتنوع أشكاله وعمق دلالته - يقابل ذلك كله ضعف طاقات الإِنسان في جميع عصوره - حتى في عصرنا الحاضر - وهذا جعل الإِنسان لا يستطيع أن يتملى هذا الإِعجاز ويكشف عن جميع مجالته ومظاهره وخصائصه دفعة واحدة في جيل واحد فضلًا أن يدرك عمقه، وفي ذلك رحمة بالإنسان لكي يدرك في كل عصر من دلالة هذا الإِعجاز ما يحمله على تصحيح عقيدته في الله واتباع منهجه، وهو في جميع العصور واجد لا محالة من خصائص هذا الإِعجاز ودلالته بحيث يفكر في حق الله عليه فلا يعدم ما يطلع عليه من خصائص الإِعجاز ودلالته ولا يمل من ذلك لأن مواضعه متعددة وأشكاله متنوعة.

ومن الإِعجاز في تدبيره سبحانه لأمر هذا الكون أن جعل الإِعجاز التشريعي متواكباً مع الإِعجاز الكوني، فيجد المتدبر لهذا القرآن حديثًا مفصلًا عن الكون وآياته -بحيث ينكشف له من خصائص الإِعجاز وعمق دلالته وتعدد مواضعه وتنوع أشكاله- ما يدل على أن هذه الشريعة التي جاء بها القرآن


(١) سورة فصلت: آية ٥٣.

<<  <   >  >>