للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هي من عند خالق هذا الكون فيطمئن لها حينئذ ويسكن إليها - وقد استولى على عقله وقلبه ذلك الإِعجاز في الخلق والتدبير، فيدرك بعمق دلالة الإِعجاز التشريعي، ذلك أن القرآن -بحديثه عن الإِعجاز الكوني بذلك الوضوح الذي يزيده إشراقًا إبداع الصنعة المحسوسة -قد يسر للعقل البشري والقلب الإِنساني تلقي وتفهم مظاهر الإِعجاز التشريعي، ولذلك كانت البداية في الخلق والأمر ببيان الإِعجاز الكوني فيأتي حينئذ الإِعجاز التشريعي ليستوي القلب البشري على الطاعة المختارة التي يتمثل فيها الرضى والطمأنينة لحكم الله الذي حفته مظاهر الإِعجاز من كل مكان، وهناك يتفاوت المؤمنون في إيمانهم وذلك لتفاوتهم في إدراك مظاهر الإِعجاز والإِبداع في الخلق والأمر.

ولا يزال هذان الإِعجازان الكوني والقرآني متواكبين إلى يوم القيامة وما زال التحدي بهما لقادة البشرية اليوم من الحكماء والعلماء والمشرعين - قائمًا فإن التحدي لم يكن لكفار قريش فقط، وما زال أهل الحق يعرضون هذا التحدي على أئمة البشرية اليوم في أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرها من الأمم إن كانوا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا الإِعجاز الكوني أو التشريعي أو بشيء منه، وما هم بمستطيعين وما ينبغي لهم ومازال هذا قائمًا في هذا القرن وما بعده من القرون أمام جميع الجاهليات في الأرض:

{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (١).

ولنبدأ بتلمس خيوط الإِعجاز التشريعي -زيادة توثق في الإِيمان وبيانًا لعلاقة الإِعجاز الكوني به، وكشفًا عن حقيقة الثبات والشمول.

لا عجب أن تتشاكل طبيعة هذين الإِعجازين فالله صاحب الخلق والأمر وإنّ من أبرز ملامح هذه المشاكلة ما يلي:

١ - الكون خلقه الله وقدر فيه طاقاته، فبقدر ما يتعامل الإِنسان معها بقدر ما يستخرج منها، فالماء طاقة مقدرة في الأرض، إذا استخرجها الإِنسان


(١) سورة طه: آية ٥٠.

<<  <   >  >>