للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنما استخرج طاقة كامنة يسر الله له استخراجها ولكنها ليست خلقاً جديدًا مستأنفًا في الأرض:

{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} (١).

وفي هذه الآية دلالة على أن الله جعل في هذه الأرض جميع ما تحتاجه البشرية من الطاقات وكل جيل يستخرج منها ما يطيق حسب قدراته ونشاطه ومبلغه من العلم، وكذلك هذه الشريعة، جاءت نصوص الوحي بها متضمنة معاني لا حصر لها، فقد جعلها الله شاملة لما يشاء أن يعلّمه للبشر في جميع أجياله، وكل جيل يعلم منها ما يحتاج إليه في جميع شؤونه، فيستخرج منهاجًا يحكم حياته كلها، فيحفظ له هذا المنهج عقيدة صحيحة -فيسلم من التخلف العقيدي وهو الارتكاس إلى الجاهليات البشرية -ويحفظ حياته الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية فتتحقق حينئذ العبادة في هذه الأرض وهي المهمة التي خلق الله الإنسان من أجلها.

يأتي كل جيل ليرتبط بهذه الشريعة، ويجد علماؤه فيها كل ما يحتاجه في تلك الأمور -وليس شيئًا من ذلك قد أنزل إنزالاً جديدًا مستأنفاً، كلا، وإنما هو متضمن في هذه الشريعة، تماماً كما هو الشأن في هذا الكون فيقف كل جيل ليجد ما يحتاجه من الطاقات في هذا الكون مدخرًا له، ويجد المنهج الصحيح الذي يحكم له جزئيات حياته مدخرًا له في هذه الشريعة فيعلم أن له رباً خلق له كوناً يعيش فيه ليستخرج طاقاته، وإلهاً أنزل له شريعة ليستخرج منها ما يبصره بالمنهج الصحيح، وهذه أول ملامح تلك المشاكلة بين الإِعجاز الكوني والإِعجاز التشريعي.

٢ - إن هذا الكون لا تضاد فيه ولا تناقض بل هو صنعة محكمة مبدعة


(١) سورة فصلت: الآيتين ٩، ١٠.

<<  <   >  >>