للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرعياً واضحًا يتميز فيه عن أهل الأهواء مطلقًا سواء من الفرق الضالة أو من تأثر بهم (١).

فلا عجب إذًا أن يجانب طريقة المتكلمين في دراسة العموم ... وحاصل ما عنده -وقد سبق- أن العام وبيانه أصبح بين أيدينا عند انقطاع الوحي، فمجموعهما هو الدليل، وهذا المجموع من العام وبيانه هو عبارة عن مجموع المقصد اللغوي والشرعي، ولا دخل لما يصوره العقل في مناحي الكلام ومن هنا لا حاجة لنا بطريقة المتكلمين في التعلق بالاحتمال المبني على وجود القرينة -التي إن فُقدت ما عُدمت- كما يقولون، فما يرد على العام إنما هو تفسير لبيان المقصود منه، وهو في اللغة وفي الشرع موضوع وضعًا استعماليًا وهو مقدم على الوضع الإِفرادي، هذا هو الجاري في كلام العرب، والرجوع في هذا إليهم لا إلى العقل وما يصوره.

فالشاطبي -مراعاة لمنهج الشريعة في الإِفهام- ينزل مباشرة إلى الواقع الاستعمالي سواء في كلام العرب أم في خطاب الشارع، فيجد ذلك كله، وضعًا إفراديًا يقابله وضع استعمالي، فالمقصود عند العرب هو الاستعمالي فَلْيُعْتبر إذًا ولا حاجة لغيره، وكذلك في خطاب الشارع نجد مجموع اللفظ العام وتفسيره فلنأخذهما معًا فيكون التفسير بيانًا -نظير البيان الذي يأتي عقب اللفظ المشترك ليبين المراد منه- وإذا كان كذلك فلا حاجة لتوهين العمومات الشرعية فلا نصفها بأنها ظنيات ونستدل بها على تحسين الظن وعدم القطع، كلا بل هي قطعية والقول بغير ذلك "مخالف لما كان عليه السلف الصالح من القطع بعموماته (أي القرآن) التي فهموها تحقيقًا بحسب قصد العرب في اللسان وبحسب قصد الشارع في موارد الأحكام.

وأيضًا فمن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بُعث بجوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارًا على وجه هو أبلغ ما يكون وأقرب ما يمكن في التحصيل، ورأس هذه


(١) يبرز ذلك أشد ما يبرز في المقدمات وكتاب الاجتهاد من الموافقات وكتابه الاعتصام.

<<  <   >  >>