للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصل المذكور (أي) على ما قرره الإِمام الشاطبي لم يبق الإِشكال لمحظور وصارت العمومات حجة على كل قول.

ولقد أدى إشكال هذا الموضع (أي طريقة المتكلمين في الاستدلال) إلى شناعة أخرى وهي أن عمومات القرآن ليس فيها ما هو معتد به في حقيقة العموم وإن قيل بأنه حجة بعد التخصيص، وفيه ما يقتضي إبطال الكليات القرآنية وإسقاط الاستدلال به جملة إلا بجهة من التساهل وتحسين الظن لا على تحقيق النظر والقطع بالحكم (١)، وفي هذا إذا تؤمل توهين الأدلة الشرعية وتضعيف الاستناد إليها" (٢).

فالإمام الشاطبي يعتبر الأصل الاستعمالي الشرعي ابتداء .. ولذلك سلم مذهبه من هذه الشناعات، والمتكلمون وقعوا في التجريد العقلي والتعلق بالاحتمالات والتأثر بأصول الكلام في وصف دلالة الألفاظ الشرعية بالظنية ولزمهم من الشناعات ما لزمهم.

وعلى طريقتهم في إغفال واقع الاستعمال الشرعي -الذي هو الحجة المعتبرة في فهم إرادة الشارع- أغفلوا واقع الاستعمال العربي - الذي


(١) قارن ما أدى إليه القول بالظنية، كما صور الإِمام الشاطبي - وبين ما نقلته عن المعتزلة وقاضيهم عبد الجبار حيث قالوا بظنية الأدلة القرآنية والسنّة وليس الاحتجاج عندهم بها على أصولهم وإنما الاحتجاج بالعقل، ويأخذونها على جهة تحسين الظن كما قالوا ... وهو ما يؤدي إليه القول بظنية العمومات ولعلك بذلك تلحظ مدى سيطرة علم الكلام على أصول الفقه، وقارن بما سبق في أكثر من موضع ص ١٩٣ - ١٩٥ وفي هذا جواب عما استغربه الأستاذان الفاضلان عبد الله دراز وأديب الصالح من قول الشاطبي "إن ذلك توهين للعمومات وإبطال للكليات القرآنية". انظر ما سبق ص ٣٣١ وانظر مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ٥٨ - ٥٩ - ٦٠ حيث بين أن هناك من يقول بأن العام مجاز بعد التخصيص ثم بين فضيلته كيف يكون المجاز محتملًا وأنه يصح نفيه، ومثل هذا لا يحتج به، وقد أنكر ذلك فضيلته وبين الصواب فيه، فانظر هذه الشناعة وهي واحدة مما حذر منها الإِمام الشاطبي.
(٢) الموافقات ٣/ ١٨٣ - ١٨٤.

<<  <   >  >>