للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو الحجة المعتبرة في فهم مقاصد العرب من كلامها - فجعلوا العام المخصص مجازاً واعتبروا أصل اللغة وأغفلوا عرف الشارع واستعماله، وعلى طريقة الشاطبي أغفلوا المقصد الاستعمالي العربي، إذ لو اعتبروه لعلموا أنه وضع استعمالي معتبر عند العرب ومقدم على الأصل القياسي الذي هو أصل الوضع، ولكنهم أغفلوا ذلك وذهبوا إلى القول بالمجاز -والمجاز محتمل- وقالوا: إن القائلين بأنه حقيقة لا يستقيم قولهم إلا إذا أرادوا بذلك أنه حقيقة في عرف الشارع واستعماله ثم قالوا: "والكلام ليس فيه وإنما هو في اللفظ من حيث وضع اللغة" (١) واللفظ الواحد لا يكون حقيقة ومجازاً بالنسبة إلى معنى واحد في استعمال واحد (٢)، وهنا يتبين لنا بوضوح الفرق بين طريقة المتكلمين وطريقة الشاطبي، فالمتكلمون أغفلوا المقصدين الشرعي واللغوي، ووقعوا في مقابل ذلك في التجريد العقلي واللغوي، وطريقة الإِمام الشاطبي اعتمدت المقصدين الشرعي واللغوي، وبعدت عن التجريد العقلي واللغوي، فليس هناك وضع واحد أو استعمال واحد وإنما هما وضعان، وضع إفرادي ووضع استعمالي، والثاني مقدم على الأول -وقد ذكرت الحجة لذلك فيما سبق- والبحث محكوم بعد ذلك بمقصد الشارع واستعماله وليس نظراً مجرداً في وضع اللفظ وإن خالف المقصد الاستعمالي في اللغة والشرع.

وعلى ضوء ما سبق نستطيع أن نحدد معالم منهج الإِمام الشاطبي مع الإشارة إلى ما يضاده عند التكلمين:

١ - إن منهج الإِمام الشاطبي منهج شرعي راعى فيه المقصد الاستعمالي الشرعي، ومنهج لغوي راعى فيه المقصد الاستعمالي في كلام العرب، وأما طريقة المتكلمين فعلى الضد من ذلك أغفلت المقصد الاستعمالي الشرعي والمقصد الاستعمالي اللغوي، والبحث في العموم يقوم على اعتبار المقصدين لأنه بحث لغوي من جانب وشرعي من جانب آخر، فقاعدة الشاطبي في بحثه أسلم وأحكم وأشمل، بخلاف طريقة المتكلمين.


(١) تخصيص العام ٩٦.
(٢) المرجع السابق ٩٦.

<<  <   >  >>