للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - تحرر الإِمام الشاطبي من مسلك أهل الكلام في المنهج والأسلوب فلا هو يتبع العقل وما يصوره، ولا يغفل الواقع التطبيقي العملي وما يقتضيه، بخلاف مسلك أهل الكلام فقد غلبت عليهم طبيعتهم حتى في أصول الفقه (١) فاتبعوا "العقل" وما يصوره وأغفلوا الواقع الاستعمالي لهذه الشريعة وللغة العرب وما يترتب عليه.

ولهذا الفرق بين الطريقتين - ولما مر ذكره من الأدلة المباشرة يعتبر منهج الإِمام الشاطبي منهج أصيل متميز مستند إلى منهج السلف في الاستدلال تحوطه الأدلة البينة من حيث الاستعمال الشرعي والاستعمال اللغوي، وهو منهج يأخذ طبيعته من طبيعة هذه الشريعة من حيث الإِفهام ومن حيث الاحتجاج.

٣ - تحرر الإِمام الشاطبي من القول بأن العمومات عند السلف ظنية الدلالة لأنهم مخصصون لها بأخبار الآحاد وهي ظنية الدلالة فلو كانت العمومات قطعية لما خصصها السلف بأخبار الآحاد. وقد سبق بيان أن ما نسبه المتكلمون إليهم لا برهان عليه (٢). ولعله من أعظم الشبه التي حملت المتكلمين في أصول الفقه على قولهم بظنية العمومات.

وقد تحرر الشاطبي من ذلك كله فلم يتبع هذا الفرض الذي لا صحة له وتحرر من جانب آخر من مذهب الحنفية، فإنه وإن وافقهم في القول بقطعية العمومات إلا أنه يرى أن العام وبيانه دليل واحد ووضع واحد استعمالي يدل على مقصد الشارع، ولا يجعلهما متقابلين بحيث نحتاج إلى التخصيص بالمنفصل أوالمتصل ثم نقع في مقالة المتكلمين أو مقالة الحنفية، ولأن كانت طريقة المتكلمين قد أوجبت على العمومات الشرعية وصف الظنية، فإن الحنفية قد حجزوا أخبار الآحاد - مع صحتها وعدم شذوذها وعلتها - عن تخصيص


(١) انظر كلام الغزالي عنهم ص ١٩٤.
(٢) أثبت فيما سبق ص ١٦٧ أن افتراض أن الصحابة قائلون بظنية أخبار الآحاد فرض لا برهان عليه بل الحجة على خلافه.

<<  <   >  >>