للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما من قبل الإِسلام وظن أن للعقل قدرة في إدراك المصلحة جاهلاً أو متأولًا - فماذا صنع بهم هذا الوهم؟

أما المعتزلة - وهم من فرق المبتدعة - فقد ابتدعوا مسلكاً جديداً في النظر يتقدمون به بين يدي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويتجافون به عما - تعلمه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان - وهذا المسلك عملوا به متأثرين بفلسفة اليونان والإغريق - وهم - أصحاب مبدأ العبودية للعقل لا لله سبحانه (١)، ولذلك أصاب الفرق الضالة ما أصاب أولئك - والداء واحد فإن التفكك من التكاليف رغبة شديدة في النفس البشرية وهي إما أن تجعل صاحبها يرفض الإِسلام مطلقاً أو تصيبه المعصية .. أو تصيبه الأهواء - ولقد مالت المعتزلة إلى مجافة السنّة ثم


= (د) والجاهلية الأولى ترى المصلحة في أن المدين إذا لم يستطع أن يدفع لدائنه فعليه أن يدفع مقابل الأجل فوائد حتى يقضي أو يُقضى عليه، وأما القانون الروماني فهو أشد جاهلية، فإنه يجيز للدائن أن يسترق مدينه إذا لم يستطع أن يقضي دينه، وإذا كان هناك أكثر من دائن ولم يجدوا من يرغب في شراء المدين فإن لهم الحق - بموجب القانون الروماني أن يقتسموا جثته، وإذا جاء الإِسلام ليطهرهم من هذا الرجس فيقول لهم: فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم فلا ربا ولا استرقاق، قالوا: ما للدين والاقتصاد .. انظر على سبيل المثال: نظرية المصلحة لأستاذي د. حسين حامد حسان ٦ - ٧. ولا أريد أن أثقل هذا الهامش بحماقات العقل البشري - الذي لا يخضع لحكم الله سبحانه - ومن أراد مزيداً من الاطلاع على ذلك فلينظر في حصيلة كل فترة - لم تخضع لحكم الإِسلام وإنما اهتدت بالعقل البشري سواء في عقائدها أو أحكامها القانونية، وسيرى أن العقل بنفسه لم يستطع أن يهتدي - فضلاً أن يهدي - ولا في فترة واحدة، مع أنه لا يزال يمارس نشاطه من قرون متطاولة وتتسع المساحة التي يمارس فيها نشاطه لعدم غلبة مفاهيم الإِسلام العقائدية وأحكامه على العالم كله. فهل استطاع العقل البشري أن يأتي بنظام يحفظ الأعراض والدماء والعقول وما بقي للبشرية من قيم - ولو في فترة واحدة. الحق أن الذين لا يقبلون حكم الله ما زالوا تحت حكم العقل ينتقل بهم من مذهب فكري إلى مذهب آخر .. ومن نظام إلى نظام آخر وما زالت عقولهم تتحفهم بمثل تلك الحماقات السابقة ..
(١) انظر مذاهب فكرية معاصرة فصل "العقلانية" ٥٠٠.

<<  <   >  >>