أما الوسيلة التي استخدمها الجويني فهي عبارة عن دليل عليه بعض المؤاخذات منها:
١ - أن الوقائع تتناهى لأنها متشابهة كما أسلفت ويمكن رد بعضها إلى بعض، وهذا دليل قوي على أنها تتناهى لتصبح في آخر الأمر مجموعة وقائع - وإن كانت كثيرة جدًا، إلا أنها محصورة.
٢ - أن قوله أن النصوص تتناهى عبارة مجملة فإن أراد بها أن القرآن جمعها وكذلك كل ما صح من السنة دل عليها فهي إذن مجموعة معلومة فنعم، وإن أراد أن ما تضمنته من المعاني، وما جعل الله فيها من السعة والشمول محدود فلا يُسلم له وهو لا يقصد ذلك حتماً، ولأن العبارة موهمة فلا بد إذن من الجواب وأختصره بما يليق بالموضع دون محاولة تفسير الأسباب التي أدت إليها - ويكفيني ما قلته سابقاً من أن القصد المشروع لا يكفي بل لابد له من وسيلة مشروعة (١) - والذي يليق بالموضع وهو جواب حاسم إن شاء الله يكفي في إسقاط الشبه - فلا نحتاج إلى أجوبة أخرى مع توفرها.
إن النظر في الشريعة الإِسلامية على أن مدلولاتها - ومعطياتها ومفاهيمها وأحكامها - تؤخذ منها نصاً نصًا غير سديد، ويحتاج إلى مراجعة وهو الذي إذا ما تبين فساده وانكشف سقطت تلك الشبهة وانكشفت.
والذي يدل على فساده هو أن ذلك كله يؤخذ من الشريعة من أكثر من طريق منها ما يليق بهذا الموضع وهو أخذ الأحكام من مجموعة نصوص تتوافر على دلالة واحدة، كما يدل النص الواحد على دلالة واحدة، وهذا شبيه بالعموم المعنوي الذي تقدم الكلام عنه.
ومثل هذه الشريعة كمثل البشرية والبحار، فهل إذا اتجهت كل أمة إلى بحر وأخذت منه ثم عادت وأخذت ثم عادت وأخذت إلى يوم القيامة هل
(١) يُفسر مقصد ابن الجويني كما فسرته في الموضع الأول، مع بيان الفارق بينه وبين ما يردده الآخرون ذلك أنه يرى أن النصوص يمكن الاستفادة منها بطرق منها القياس.