رحمته وخاصة وأن سعة هذه الشريعة ورحمتها وسماحتها لتخيل للذين لا يعلمون أن هذه الشريعة لا يمكن تحديدها، بل ويمكن إدخال كل شيء فيها.
وهذا سببه أمران:
الأول: عدم معرفتهم بطبيعة هذا الدين عقيدة وشريعة.
إن هذا الدين يريد من البشرية أن تذعن له وتخضع، وتتجرد عن كل تعلق بغير الله فتعبده وحده وتتجه إليه وحده وتسأله وحده وتقدم له أنواع الطاعات وحده، ومنها أن تحكم مصالحها وغاياتها بهذه الشريعة عن طريق الرد إلى أحكامها، وهي حينئذ ستجد بلا ريب السعة والرحمة والفرج.
وهذه حال المؤمنين إذ قالوا سمعنا وأطعنا، شريطة أن يأتوا مذعنين مستبشرين، يعتقدون كمال هذه الشريعة وأنها هي التي تنقذهم من الظلمات إلى النور، وأنها هي الحياة والحضارة والرقي والسعادة، وأنها هي الأمن والعدل والخير كله، ويعتقدون في المقابل أنهم لو خُلوا وعقولهم لهلكوا، وأن جميع ما تشقى به البشرية إنما جاءها لما حسنت الظن بالعقل وردت ما جاء به الرسل وأعرضت عنه وقدمت عليه أهوائها.
إن هذا الإِيمان عندما يتحقق ويأتي صاحبه إلى الشريعة سيجد من الفسحة والسعة ما لا يتصوره أبداً (١)، وإن الذين ينظرون إليه وهم من خارج دوحة الإِيمان - ولا يعلمون حقيقته - لا يستطيعون أن يفسروا هذه السعة والشمول في الرحمة والعدل إلّا بذلك التفسير الغريب العجيب.
الأمر الثاني: إن كل خير عند هذه البشرية مرجعه ولا شك "الإِسلام" فإن هذا الدين هو العقيدة الأولى التي أُنزلت على هذه الأرض وبقيت دهراً طويلًا غير متلبسة بما يناقضها، ثم انحرفت البشرية شيئاً فشيئاً، وتلبست هذه العقيدة بما يناقضها من عبادة غير الله واتباع غير منهجه.