أعرضت عن ذلك كله واختار لها أئمتها السياسيون والمفكرون .. غير الإِسلام عن علم وعناد يبتغون بذلك الارتكاس في حمأة الشهوات والطغيان.
فلا عجب أن تفترق البشرية هذا الافتراق ويحل بها ما حل .. والِإسلام حينئذ ليس مسؤولاً عن طبائعها وتصرفاتها العجيبة الغريبة كما أنه ليس مسؤولًا عن تصرفاتها الحيوانية، ويوم تتبع تلك الأمم الإِسلام وترجع إلى وحدة المنشأ والمنهج والمصير حينئذ لن تكون بتلك الصورة التي لا يمكن أن توجد إلّا في الغابات، بل ستعيش صورة إنسانية جديدة الملامح، من أبرز ملامحها تلك الوحدة والتشابه - فيقوم العدل الرباني في الأرض ويسيطر عليها الإنسان الصالح الذي يكوّن الأمة الواحدة ويتعامل في كل مكان بمنهج واحد له سماته الثابتة وطبيعته المتشابهة ويمكن حينئذ جمع وقائعه وحاجاته وترتيبها وتنسيقها وتحديد هدف واحد متشابه تقوده المصلحة الشرعية التي تحقق العدل الرباني في واقع الناس.
ولعل في هذا البيان ما يُجَلِّي تلك الحقيقة، ويقارب بين طبائع البشرية - عندما تتحول عن شرائعها ومفاهيمها إلى شريعة الله سبحانه خالقها وبارئها، وتسقط تلك الشبهة التي طالما نفخ فيها أعداء الإِسلام ليحولوا بين البشرية وبين هذه الشريعة الربانية (١).
وننتقل بعد هذا إلى مناقشة شبهة أخرى تتصل بموضوع المصلحة بعد أن تبين لنا أن الشمول الرباني يتسق مع مفهوم الثبات فيتحقق لنا - بعدل من الله ورحمة - سعة في هذه الشريعة تمدنا بما نحتاج إليه من أحكام شرعية، يحفظها لنا مفهوم الثبات في الوقت نفسه لأنه يحفها بالضوابط التي تعيننا ونحن نعيش في عدالة الشريعة ورحمتها أن نكون ملتزمين بالعبودية ومقتضياتها، فلا نغتر ونجهل وننسى ونخرج عن تلك الضوابط والأطر، فننسلخ من آيات الله، ونبعد عن
(١) انظر كتاب: موقف المستشرقين .. من ثبات الشريعة وشمولها.