للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عللوا أحكام الله رغم أنف المنكرين (١) وحكّموا المصلحة في التشريع، ولكن في دائرة المعتدلين، فلم يجمدوا على النصوص تعبداً بألفاظها، بل فتشوا وأخرجوا كنوزاً ثمينة من وادي معانيها، وزنوا الأمور بما يترتب عليها من صلاح أو فساد فأباحوا الأول، ومنعوا من الثاني، جعلوا

عمادهم في ذلك التعليل المصلحة، ولم يسيروا وراء الأوصاف في كل شيء كما فعل الفقهاء والأصوليون المتأخرون، ومع هذا فلم يندفعوا وراء كل ما يظن أنه مصلحة، وإن صادم قاطعاً في شرع الله، أو نافى قاعدة من قواعد الدين، بل رأيناهم في غير موطن يردون هذه المصلحة ويشددون النكير على من رام العمل بها" (٢).

والذي أقوله هنا: أنه ما دام أن الصحابة والتابعين لا يجرون وراء الأوصاف في كل شيء ولم يندفعوا وراء كل ما يظن أنه مصلحة وإن صادم قاطعاً من الشرع أو نافى قاعدة من قواعده، إذا كان الأمر على هذه الحال فما بال المؤلف يقول عنهم مقالته السابقة وحاصلها أنهم لا يتبعون الأوصاف - هكذا على الإِطلاق - بل يتبعون وجوه الرأي من غير التفات إلى الأصول كانت قواطع أو قواعد أو لم تكن!!!

ثم إذا تركنا هذا الأمر إلى غيره، فلماذا ينفر من اشتراط الفقهاء والأصوليين شهادة الشارع للمصلحة حتى تكون معتبرة وإلّا فهي ملغاة، لماذا ينفر من هذا، وهو يحكي مذهب الصحابة والتابعين بأنهم ما كانوا يقرون مصلحة تصادم قاطعاً أو قاعدة .. !؟

والدليل على نفوره من الاشتراط وقوعه في ضده أنه نقل مذاهب الأصوليين وانتصر لمذهب الطوفي ... وذكر هذه المذاهب كما يلي:

(أ) أن المصلحة المعتبرة هي التي لها أصل معين، ونسبه للقاضي.


(١) مخالفة المؤلف للمنكرين للتعليل - مع موافقتي له في ذلك - لا يبيح له رفع ضوابط المصلحة واتباع مذهب الطوفي .. والشذوذ عن الإِجماع.
(٢) رسالة تعليل الأحكام ٩٢.

<<  <   >  >>