واخترت في ذلك سبيل السلف الأول في تلك الأمور التي درستها (١)، ولكن الذي أنبه عليه هنا أن حاجتنا لتصحيح أصول الفقه حتى نميّز أصول أهل السنة عن أصول أهل الأهواء لا تعني أننا سنخبط خبط عشواء، ونقول أن الجدل غلب على أصول الفقه فلننصرف عن الضوابط ونتبع المصالح والآراء التي لا تشهد لها الشريعة بالقبول، كلّا، لأن أصول الفقه عند أهل السنة هو الأداة التي يحفظ بها العقل المسلم من الأهواء، ولذلك ضلت الفرق لما حادت عن أصول أهل السنة في ذلك واتبعت المسالك الفاسدة، ولا سبيل إلى سلامة الهدف - الذي هو تصحيح مسار أصول الفقه وإخراجه من آثار أهل الأهواء وطبيعتهم في الجدل ومخالفة السنة، لا سبيل إلى ذلك إلّا بالرجوع إلى الأمر الأول الذي كان قبل نشوء الأهواء، وفيه من الصحة والسلامة وحسن الأداء ووضوح الغاية واتباع السنة الخير الكثير، وقد وسع والحمد لله من قبلنا في أمورهم جميعاً فليسعنا ما وسعهم، ولنستمر في بيانه والبناء عليه دون أن نضل عنه.
فمن طلب هذا الهدف وجب على كل أحد معونته، وقد حاولت أن أذكّر بأصول أهل السنة في الاستدلال في كل موضع بحسبه، وفي ذلك رد تطبيقي على مقالة صاحب كتاب "تعليل الأحكام" ومن سلك مسلكه، وطلَبِهِ التصحيح - بزعْمِهِ - ليرفع الضوابط وينشر المسالك الفاسدة، ويحيي الآراء الشاذة - متخذاً من الجدل الذي غلب على أصول الفقه - سلماً يصل بها إلى مبتغاه، فهذا لن نقبل منه هذه الوسيلة ولن ننخدع بهذه الغاية، فإنه لا بد من صدق الغاية وسلامة الوسيلة.
(١) ومن الأمور التي تحتاج إلى دراسة وتصحيح التأكيد على عزل آثار الاعتزال عن أصول الفقه، لأن هؤلاء لهم أصول خاصة في تلقي العقيدة، وقد أحاطوا بها أصول الفقه من كل جانب، فلا بد من تمييز أصول السنة عن أصول البدعة، ابتداء من نقض أصولهم في وجوب النظر العقلي وتحكيمه في العقيدة والشريعة وانتهاء بطريقة الكتابة وأسلوب الأداء والبناء في كل ذلك على منهج الجيل الأول الذي وقع في مخالقه أهلُ الأهواء وتميزوا عنه فلا بد إذاً من التميز عنهم والحذر من آثارهم.