شهادة من شريعة الرحمة والعدل، وإن لم تشهد بل ردتها، فلم لا يرضون بحكمها، أليست هي شهادة من شريعة الرحمة والعدل.
ألم يقولوا: إن معاشرتك للإِنسان الفاضل الحكيم يدلك على مقصوده إذا جاءت واقعة جديدة وظننت أن هناك مصلحة ألا ترجع إلى استشهاد طريقته وعادته وِإلْفِه فإن شهد لك أقدمت ولم يشهد أحجمت.
أفلا يرجعون إلى نصوص الشرع يستشهدونها فيما ظنوه مصلحة، فإن شهدت النصوص بالموافقة شهدوا وقبلوا، وإن شهدت بالرد شهدوا وردوا ..
- وهذا هو المنهج الذي سار عليه الصحابة والتابعون وأئمة الاجتهاد وأجمعت عليه العلماء - فإن صنعوا ذلك تحقق لهم إدخال الوقائع المستجدة تحت نصوص الشارع وتحقق لهم شمول هذه الشريعة، والتزموا بمنهج الحق في الاستنباط وتركوا عقولهم وما تزينه لهم من الأهواء والشبهات ..
وها هنا شبه متولدة عن الشبه السابقة، فإن المقدمين للمصلحة على النص - بطريق البيان والتخصيص كما يفعل الطوفي، أو بتعطيله كما يفعل الشلبي - إذا احتدم النقاش قالوا: تقدم المصلحة إذ كيف تهدرون الأدلة المبيحة للعمل بالمصلحة وهي في مجموعها تفيد القطع (١).
وإني لشديد العجب أن يرى أمثال هؤلاء الكتاب أن تقديم مصلحة - ظنوا أنها مصلحة - سببه عندهم هو أن الأدلة دلت على اعتبار المصالح، وأن هذا يبرر لهم تقديمها على النص.
وما علموا أن الاستدلال لم يتم لهم، وإلّا فكيف علموا أن المصلحة هذه قد دخلت في المصالح التي دلت الأدلة على اعتبارها، هل قال الشارع اعتبرت المصالح التي تدركها عقولكم بدون شهادتي لها، أم قال إن النصوص جاءت بالمصالح فانظروا كيف تتعرفون عليها من طريق هذه النصوص.
(١) قال صاحب رسالة التعليل: " ... أم يمنعون العمل بها وهو إهدار للأدلة المبيحة للعمل بالمصلحة وهي في مجموعها تفيد قطعًا" ٣٧٠.