وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين فلو لم تكن أحاديثه تحقق المصلحة والرحمة، فكيف يكون هو رحمة للعالمين، ومن ثم فإن أدلة المؤلف - وهي أدلة القائلين بالمصالح المرسلة - تدل دلالة قاطعة على أن هذه النصوص من الكتاب والسنة هي الهدى والرحمة والمصلحة.
ألم يقل المؤلف أن الله أقام للناس مصالحهم في معاشهم، وهذا يقتضي أن يقيم لهم مصالحهم في الأحكام الشرعية؟ فكيف يتصور بعد ذلك أن النص يمكن أن لا يحقق المصلحة، ما دام أن الأحكام الشرعية تحقق المصالح في اعتقادنا وأن هذه النصوص من الكتاب والسنة هدى ورحمة فإذا لم تحقق المصلحة للناس فمن يحققها!!
فالمصالح إذن جاءت بها الشريعة، والطريق للتعرف عليها جاءت ببيانه الشريعة أيضًا، ألم يبين الله لنا أن كتابه هو الصراط المستقيم، وأن سنة نبيه هي البيان له، وأن من اتبع هذا النبي عليه الصلاة والسلام هُدِي إلى ذلك الصراط المستقيم.
أفلا يقتضي هذا اتباع نصوصه ورفض الأهواء وعدم تحكيم العقول المخالفة لمقتضى تلك النصوص.
كيف وقد جاءت هذه الشريعة بذم الأهواء، وذم التقديم بين يدي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ... وجعلت المفارق للإِجماع المشاق للرسول - صلى الله عليه وسلم - متبعًا غير سبيل المؤمنين ... أفلا يكفي كل ذلك للقطع بأن الهدى والخير والمصلحة والرحمة في اتباع هذه النصوص، فكيف تنكص أقلام هؤلاء الكتاب على أعقابها ثم يقولون أن المصلحة تقدم على النص، أو لم يكفهم إقرارهم أن الشريعة جاءت لإِقامة المصالح وأنها هدى ورحمة، فكيف يطلبون مصلحة فيما يخالفها ..
وإذا قالوا: إن الوقوف عند المنصوص لا يكفي فإن هناك وقائع جديدة، قيل لهم هذا لا يعذركم في تقديم المصلحة على النص، لم لم تصنعوا صنيع الصحابة والتابعين والمجتهدين من بعدهم، لم يرجعوا إلى النصوص فيستشهدونها على ما ظنوه مصلحة، فإن شهدت قبلوا شهادتها راضين، أليست