للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأختم الجواب عن هذه الشبه بالإِشادة بمجهود الشاطبي المبارك في كتابه، ذلك أنه يتكلم عن الإِسلام وهو يلاحظ عقيدته ومنهجه في الاستدلال وأحكامه ومقاصده.

فإن شئت أن تجد في كلامه اتباعًا للسلف ومفارقة للبدعة والمبتدعين وجدته، وإن شئت أن تجد - سلامة من آثار علم الكلام - يترتب عليه ضبطًا لمنهج الاستدلال وجدته، وإن شئت أن تجد إبرازًا لمقاصد الشارع، وإظهارًا لمعنى التعبد في جميع أحكامه وجدته، كما هو الحال في مسألتنا هذه (١).

ومن يعلم مدى ما أدت إليه أمثال هذه الشبهة حتى فُهم الإِسلام على أنه عبادات لها الاحترام، ومعاملات يمكن أخذها من غير الشريعة أو يمكن التزامها بدون الشعور بمعنى العبادة فيها، حتى أصبح مفهوم التعبد مقصورًا على نوع خاص من الأحكام، من علم ذلك شعر بالجهد المبارك الذي بذله الشاطبي .. وشعر في الوقت نفسه بشدة حاجتنا إلى التعرف عليه وإظهاره.

وهذا الجهد المبارك هو المدد الذي ييسره الله على أيدي العلماء الربانيين، فينقلونه من جيل إلى جيل، فيحفظ الله بهم الفهم الصحيح لهذا الدين، الذي عاش به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومن تبعهم بإحسان غير مبدلين ولا مغيرين في غير ما حرج ولا ضيق {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}.

وكلما أردنا أن نفهم هذا الدين .. كما فهمه جيل الصحابة والتابعين فلابد من أن نأخذه عن أولئك العلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين تابعوا الجيل القدوة وسلموا من آثار الفرق الضالة قديمًا وآثار الغزو الفكري حديثًا، وتحققوا بهذا الدين ونصروه، وهؤلاء هم العلماء الربانيون الراسخون نفعنا الله بهم ورزقنا ما رزقهم (٢).


(١) وانظر المقدمات على سبيل المثال - من كتاب الموافقات ١/ ١١ - ٦٢ لتزداد يقينًا بهذا الذين نقوله.
(٢) انظر المقدمة الثانية عشرة ١/ ٥٢.

<<  <   >  >>