للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبمواضع الخلاف، فهو يرى في وقت واحد أن: العاديات الأصل فيها اتباع المعاني، فيعدي المجتهد الحكم إلى غير محله بشرط أن يلتزم مسالك العلة فلا يؤدي به اجتهاده إلى رد ما جاء به الشرع، وسواء عدى الحكم أو لم يعده فإن أحكام العاديات كلها فيها معنى التعبد من جهة - لا تمنع التعدية - وإنما هي ضرورية لربط قلب المؤمن بالله، فهو إذ يلتزم بأحكام العاديات إنما يلتزم أمر الله فإذا أخذ ما أخذ، وترك ما ترك من تحت الإِذن الشرعي فإنه عابد مُتبعٌ مؤدٍ حق الله وهذا معنى قول الشاطبي: الأصل في العاديات الالتفات إلى المعاني وذلك لتتحقق التعدية، وأن فيها معنى التعبد وذلك لتحقق معنى العبادة والأجر والثواب عليها.

فإذا كان الأمر كذلك فهل يجوز لباحث أن يناقش أدلة الشاطبي على أن العاديات وإن اعتبر فيها اتباع المعاني - فلا بد فيها من اعتبار التعبد، وذلك ليقول: إن الأدلة السابقة - ويقصد أدلة الشاطبي - فيها ضعف ظاهر ولا يصلح التمسك بها في مقام الحجاج (١).

وأدلة الإِمام الشاطبي التي ناقشها د. شلبي هي الأدلة التي ذكرها على المسألة التاسعة عشرة - لإِثبات أن "كل تكليف فيه حق لله" (٢) ومن يناقش في هذا أو يجادل؟!

وهذا دليل على أن الشلبي لم يفهم ما يريد الشاطبي أن يقوله في المسألة التاسعة عشرة فأخذ يناقشه في أربعة صفحات (٣).

فإن قيل: إذا كان الشاطبي يقول بالتعدية والشلبي يجادل عنها ليثبت أن في العاديات تعدية فما الفرق بينها؟ والجواب أن الشاطبي متبع للإِجماع في الالتزام بالضوابط، وعدم التقديم على النص أي مصلحة، ولو اجتمعت عليها عقول العقلاء وأفهام الحكماء، ولا تغير ولا تبديل في المعاملات وأحكام النظام الاجتماع، وأما الشلبي فبضد ذلك وقد مر بيانه.


(١) تعليل الأحكام ٣٠٠.
(٢) الموافقات ٢/ ٢٣١.
(٣) تعليل الأحكام ٢٩٩ - ٣٠٠ - ٣٠١ - ٣٠٢.

<<  <   >  >>