للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجاب عن هذا: أن اعتبار القاضي أبي بكر ما يقتضيه الظاهر والقياس حكماً ظنياً يجب العمل به قطعاً، مع أنها طريقة تخالف طريقة الرازي كما ذكر شيخ الإِسلام ابن تيمية، فهي كذلك تخالف النتيجة التي توصل إليها الرازي وهي قوله أن الفقه من الظنيات، ولا يُعكّر على هذا ما ذكره القاضي من أن الظاهر والقياس يفيدان ظناً، لأن الأدلة ليست كلها ظواهر وأقيسة، بل فيها النص وفيها المتواتر وفيها الإِجماع المقطوع به.

وعلى هذا يمكن أن يكون القاضي من أصحاب المذهب الثاني، فما ينتج عن طريق الظواهر والأقيسة يكون ظناً، وما ينتج عن النص وما في حكمه يكون علماً أي قطعاً، فيشتمل الفقه على المعلوم والمظنون، ويبقى حينئذ الرازي متفرداً بما ذهب إليه وقد نص ابن تيمية على ذلك (١).

وعلى هذا التقرير لا بد من تحديد موضع النزاع، فقد تبين من جملة هذه النصوص أن هناك قضيتين متداخلتين:

الأولى: أن الفقه كله من الظنيات وهو مذهب للرازي تفرد به.

الثانية: أن القاضي صرح بأن ترجيح الظنون بعضها على بعض إنما يكون بالاتفاق ولا مرجح وقد أنكر عليه الجويني وابن تيمية هذا القول والأُولى خاصة بالرازي ولا يشاركه فيها القاضي أبو بكر، مع أن هناك تداخلًا بين القضيتين وقد أبنت عن سببه.

وأبدأ هنا بمناقشة الأولى - بعد أن تقرر تفرد الرازي بها وأن الآمدي وغيره لم يخرجوا المعلوم من الدين بالضرورة من الفقه (٢).


(١) مجموع الفتاوى الكبرى ١٣/ ١١٨.
(٢) انظر ما نقلته عنهم من التعريفات ص ٣٣ وانظر كتبهم الإِحكام للآمدي ١/ ٦، شرح الكوكب المنير ١/ ٤٠ - ٤١ وما بعدها، شرح التلويح ١/ ١٢، حاشية السعد على ابن الحاجب ١/ ٢٥ - ٢٦، مجموع الفتاوى ١٣/ ١١٣.

<<  <   >  >>