للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-وهو ممن نصر قول القاضي- من ميل النفس إلى أحد القولين دون الآخر كميل ذي الشدة إلى قول وذي اللين إلى قول، وأما الأمارات فليست من المرجحات لأنها لا تفيد علماً (١).

وقد أنكر أبو المعالي ابن الجويني هذا القول إنكاراً بليغاً، فقال: إن مذهب القاضي يئول إلى أنه لا أصل للاجتهاد، وكيف يستجيز مثله أن يثبت الطلب والأمر به ولا مطلوب؟ وهل يستقل طلب دون مطلوب مقدّر ومُحقّق؟ ...

وقال: " ... فإنّا على اضطرار نعلم من عقولنا أنّ الأولين كانوا يقدمون مسلكاً على مسلك ويرجحون طريقاً على طريق" (٢).

وهذا الذي نص عليه الجويني هو مذهب السلف والأئمة الأربعة كما حكاه ابن تيمية حيث يقول: "وأما السلف والأئمة الأربعة والجمهور فيقولون: بل الأمارات بعضها أقوى من بعض في نفس الأمر، وعلى الإِنسان أن يجتهد ويطلب الأقوى فإذا رأى دليلاً أقوى من غيره ولم ير ما يعارضه عمل به ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها" (٣).

وقال في موضع آخر: "الظنون عليها أمارات ودلائل يوجب وجودها ترجيح ظن على ظن، وهذا أمر معلوم بالضرورة، والشريعة جاءت به ورجّحت شيئاً على شيء" ثم قال بعد كلام طويل:

فقد تبين أن الظّن له أدلة تقتضيه وأنّ العالم إنّما يعلم بما يوجب العلم بالرجحان لا بنفس الظن إلّا إذا علم رجحانه، وأمّا الظن الذي لا يعلم رجحانه فلا يجوز اتباعه، وذلك هو الذي ذم الله به من قال فيه:

{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (٤).


(١) انظر ما سبق ص ٦٥.
(٢) البرهان ٢/ ٨٩٠.
(٣) مجموع الفتاوى الكبرى ١٣/ ١٢٣.
(٤) سورة النجم: آية ٢٨.

<<  <   >  >>