للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمعروف يجب اتباعه، والمفتي في هذه المنزلة، فلا بد أن يطابق فعلُه قولَه (١) وبنى على هذه المسألة مسألة أخرى بين فيها ما يجب على المفتي ليكون قدوة لغيره وأسوة طيبة (٢).

فالمسألة الأولى في بيان منزلته، والتي بعدها في بيان ما يجب عليه وقد وضعه الشارع في هذه المنزلة.

وتقسيم الشاطبي في بيان منزلة المفتي وأنه وارث مُعَلِّمْ ونائب مُبلّغ لا كلام فيه، ثم قال: "المفتي شارع من وجه، لأن ما يبلغه من الشريعة إمّا منقول عن صاحبها، وإمّا مستنبط من المنقول، فالأول يكون فيه مبلغاً، والثاني يكون فيه قائماً مقامه في إنشاء الأحكام، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع" (٣).

وإلى هنا - فإن النص في غاية الأحكام وهو حاصل ما تقرر سابقاً من أن إنشاء الأحكام إنّما هو للشارع، وأن عمل العالم الوارث لعِلْم النبي هو التعليم والإنذار والتبليغ واستنباط الأحكام وتطبيقها على الحوادث الجديدة، وعمله هذا هو الاجتهاد بالمعنى العام (٤) الذي يجمع ذلك كله.

ثم إنّ الشاطبي عرض بعد هذا التقرير الحسن إلى النظر في جواز إطلاق لفظ "الشرع" على عمل المجتهد، فقال: بعد النص السابق مباشرة "فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه شارع واجب اتباعه ... " (٥).

والظاهر من عبارة الشاطبي: أنه جزم بأن "إنشاء الأحكام إنما


(١) انظر المقدمة الثامنة من كتاب الموافقات ١/ ٣٤.
(٢) انظر المسألة الثالثة ٤/ ١٦٧ وقد صرح ببنائها على ما قبلها فقال: "تُبنى على ما قبلها وهي أن الفتوى لا تصح من مخالف لمقتضى العلم".
(٣) الموافقات ٤/ ١٦٣.
(٤) أقصد بالمعنى العام أي الاجتهاد في تَعلّم العلم وتعليمه والدعوة إلى الله سبحانه والاجتهاد في استنباط الأحكام لمن قدر عليه.
(٥) الموافقات ٤/ ١٦٣.

<<  <   >  >>