للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو للشارع" على سبيل الحصر ثم قال: "فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام ... " وهذا فيه شيء من الاحتمال لسببين:

الأول: أنه خلاف ما جزم به من قبل على سبيل الحصر.

الثاني: أنه علّقَهُ بقوله "فإذا كان ... ".

وبهذا يتبين أن الشاطبي يجزم على سبيل الحصر بالقضية الأولى دون الثانية وسبب ذلك أن القضية الأولى مقطوع بها عنده، وإنما ذكر ما بعدها ليبين خطورة منزلة المجتهد وأنه يجب اتباعه لأنه إمّا مبلغ عن الشرع وإما مستنبط منه، ولذلك ختم مسألته بقوله: "وعلى الجملة فالمفتي مخبر عن الله كالنبي (١) وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره (٢) كالنبي ونافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي ولذلك سموا أولي الأمر، وقُرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (٣) والأدلة على هذا المعنى كثيرة" (٤) وبَيّنٌ في هذا النص أن الإِمام الشاطبي لم يصف المجتهد بأنه منشئ للأحكام وشارع لها، بل وصفه بأنه مخبر ومطبق للأحكام على الحوادث، وتجب طاعته كما تجب طاعة أولى الأمر بشرطها (٥).

وقد سبق جزمه بأن إنشاء الأحكام إنما هو لله، وتعليقه للمسألة بقوله: "فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام .. " وبهذا يتبين لي أن مقصود الشاطبي


(١) قصد الشاطبي مخبر عن النبي أي إما في حياته فعنه - صلى الله عليه وسلم - أو عن من سمعه وبعد وفاته - عليه الصلاة والسلام - يكون الإِخبار عما بلغه من الكتاب والسنة.
(٢) أي بحسب اجتهاده والحكم الشرعي الذي توصل إليه.
(٣) وهذه الطاعة شرط القرآن لها وكذلك السنة أن تكون في المعروف لا في المعصية. انظر ص ٩٠.
(٤) الموافقات ٤/ ١٦٣.
(٥) وشرط طاعته على المكلف أن يطابق قولَه فعلُه، ولا تخالف فتواه النص والإِجماع فإن علم المكلف منه ذلك لم تجز له متابعته، بل الواجب عليه متابعة من اتصف بالصفات التي ينبغي أن يلتزم بها أهل العلم وهذا هو مقصد الشاطبي. انظر المقدمة الثانية عشرة، الموافقات ١/ ٥٢ وما بعدها.

<<  <   >  >>