للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو ما قرره في آخر النص وإنّما عرض للمجتهد بتلك الطريقة ليبين خطورة منزلته وأن عليه أن يحكم الوحي على نفسه اعتقاداً وعملاً على التمام والكمال، وبهذا يتبين أن تسميته "شارع من وجه" بهذا التقييد إنّما هي تسمية لفظية لا تناقض قوله من أنّ إنشاء الأحكام وشرعها إنّما هو لله سبحانه. هذا من وجهة قصد الإمام الشاطبي -رَحِمَهُ اللهُ-.

وأما من وجهة النظر المطلق في التسمية فإني لا أرى صحتها لا من الناحية اللغوية ولا من الناحية الاصطلاحية وذلك لما بينته سابقاً (١).

ولا يقال لا مشاحة في الاصطلاح إذا سلم المقصد، بل فيه مشاحة وخاصة في المصطلحات التي تختص بالأمور الاعتقادية ومنها مسألتنا هذه (٢) بل إن المشاحة تنبغي فيما هو أهون من ذلك، فإن مخالفة المصطلح للمعنى اللغوي والمعنى الشرعي توجب رده وتصحيحه، أما بالنسبة للتقسيم المذكور في كلام ابن تيمية فهو ليس تقسيماً مستنداً على أصل علمي، بل صرح هو في موضع بأنه مما جرى به عرف الناس وفي الموضع الآخر ذكر أنه مما ورد في كلام الناس (٣)، ولم يصرح بأنه مذهب أحد من أهل العلم.

والصحيح خلاف هذا التقسيم، فأما القسم الأول فإطلاق لفظ الشريعة عليه ظاهر، وأما القسم الثاني وهو آراء العلماء المجتهدين فالذي ينبغي أن يُطلق عليه هو اصطلاح "الفقه الإِسلامي" (٤).


(١) انظر ما سبق ٥٧ - ٥٨.
(٢) انظر التمهيد لتجلية هذه العقيدة وهي أن التشريع وهو إنشاء الأحكام إنما هو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد من خلقه لا نبي مرسل ولا ملك مقرب.
(٣) مجموع الفتاوى الكبرى ٣/ ٢٦٨، ١٩/ ٣٠٨، ١١/ ٢٦٤.
(٤) أما ما ورد في عرف الناس أو كلامهم من أن "الشرع المبدل" الذي هو الكفر كما صرح ابن تيمية فهل يسمى شريعة أم لا؟ والأقرب إلى الصواب تسميته كذلك لأن شرائع الشرك والكفر -أنشأت بغير إذن من الله- وابتدأها من لم يكن مؤمناً بالله ورسله فهي حينئذ شريعة باعتبار المعنى اللغوي، وفي شرائع الكفر يصور الإنشاء للأحكام، وأما في دائرة الإِسلام وهو ما نحن فيه فإما إنشاء للأحكام وهو حق الله وذلك هو الشريعة كتاباً وسنة، وإما استنباط منهما وذلك هو الفقه.

<<  <   >  >>