للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* قال ابنُ رجبٍ ﵀:

وَقَالَ ﷺ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكرَهَ أَنْ يَرجِعَ إلى الكُفرِ بَعدَ إِذْ أَنقَذَهُ اللَّهُ مِنهُ، كَمَا يَكرَهُ أَنْ يُلقَى في النَّارِ» (١).

هَذِهِ حَالُ السَّحَرَةِ لَمَّا سَكَنَت المَحَبَّةُ قُلُوبَهُم، سَمَحُوا بِبَذلِ نُفُوسِهِم، [ف] قَالُوا لِفِرعَونَ: اقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ.

وَمَتَى تَمَكَّنَت المَحَبَّةُ فِي (٢) القَلبِ لَم تَنبَعِث الجَوَارِحُ إِلَّا إِلى طَاعَةِ الرَّبِّ، وهَذَا هو مَعنَى الحدِيثِ الإِلَهِيِّ الَّذِي خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ في «صَحِيحِه»، وَفِيهِ: «وَلا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا» (٣)، وَفِي بَعضِ الرِّوَايَات: «فَبِي يَسْمَعُ، وبِي يُبْصِرُ، وبِي يَبْطِشُ، وبِي يَمْشِي» (٤)؛ وَالمعنَى: أنَّ مَحَبَّةَ اللَّه إِذَا استَغْرَقَ بِها القَلْبُ واسْتَولَت عَلَيهِ، لَمْ تَنْبَعِث الجَوَارِحُ


(١) متفقٌ عليه من حديث أنسٍ ﵁؛ البخاري رقم (١٦)، ومسلم رقم (٤٣).
(٢) في نسخة (ب): «من».
(٣) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رقم (٦١٣٧).
(٤) لم أقف على هذه الرواية مسندةً رغم البحث، وقد ذكرها -من غير عزوٍ- شيخُ الإسلام ابن تيمية في مواضعَ كثيرةٍ من كتبِه، وكذلك تلميذُه ابنُ القيِّم، ولما خَرَّج العلامةُ الألبانيُّ أصلَ الحديث في «الصحيحة» (٤/ ١٩١) قال عن هذه الزيادة: «ولم أَرَ هذه الزيادة عند البخاري ولا عند غيره ممن ذكرنا من المخرِّجين»، وقد سبقه إلى هذا الحافظ الذهبي في «تاريخ الإسلام» (٥١/ ٣٦٣) فإنه لما أورد
كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية وفيه ذِكْرُ هذه الرواية، عقَّبَ عليها بقوله: «قلت: لم أجد هذه اللفظة «فبي يسمع وبي يبصر» … إلخ».
ثم وجدتُ الحكيمَ الترمذيَّ قد ذَكَرَ هذه الرِّوَاية في «نوادر الأصول» (١/ ٢٦٥ و ٤/ ٣٥)، وفي «الأمثال» (ص ١٣٣) ولكنه لم يَسُق إسنادَها أيضاً، واللَّه أعلم.

<<  <   >  >>