للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آية المحبوبات الثمانية، وإيثار هذه المحبوبات قد يصل إلى الكفر، وقد يكون دون ذلك، فكثيرٌ من الكفار تركوا الإيمان باللَّه ورسوله إيثاراً للوطن والعشيرة والأهل، وموافقةً لهم، ومنهم من يؤثر هذه المحبوبات في المعصية، فيؤثر طاعتهم في معصية اللَّه، ويقدِّم ما أحَبُّوا على ما أوجب اللَّه ، وهكذا.

وقد تقدَّم أنَّ اتباع الهوى هو أصل الشرك بنوعيه الأصغر والأكبر، كما قال تعالى عن المشركين: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ﴾ [النجم: ٢٣].

بعد هذا كله يقول المؤلِّف : (وَيَدُلُّ عَلَيهِ أَيضاً أَنَّ اَللَّه تَعَالى سَمَّى طَاعَةَ اَلشَّيطَانِ في مَعصِيَته عِبَادَةً لِلشَّيْطَانِ)، فسمى اللَّه طاعة الشيطان عبادة، وكل معصية للَّه هي طاعة للشيطان، ولكن هناك من الخَلْق مَنْ عَبَدَ الشيطانَ عبادةً صار بها كافراً مشركاً؛ كعُبَّاد الأوثان، فإنهم -في الحقيقة- عابِدُون للشيطان، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن أصل الشرك كُلِّه من عبادة الملائكة والأنبياء والصالحين والأصنام والأحبار والرُّهبَان وغير ذلك = هو عِبَادةُ الشَّيطَان (١)، قال تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُون (٥٩)


(١) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» وهي ضمن «مجموع الفتاوى» (١/ ١٥٧): «والمشركون الذين وَصَفَهم اللَّه ورسولُه ب «الشرك» أصلُهم صنفان: قومُ نوحٍ، وقومُ إبراهيمَ.
فقومُ نوحٍ كان أصلُ شركِهِم العكوفُ على قبورِ الصَّالِحِينَ، ثم صَوَّرُوا تماثِيلَهم، ثم عَبَدُوهم.
وقومُ إبراهيمَ كان أصلُ شركِهِم عبادةُ الكواكِبِ والشَّمْسِ والقَمَر.
وكلٌّ مِنْ هؤلاء وهؤلاء يعبدونَ الجِنَّ، فإنَّ الشَّيَاطِين قد تُخَاطِبُهُم وتُعِيْنُهم على أشياء، وقد يَعتَقِدُونَ أنَّهم يعبدونَ الملائكةَ وإن كانوا في الحقيقة إنَّما يعبدونَ الجِنَّ؛ فإنَّ الجِنَّ هم الذين يُعِينُونَهم ويَرضَون بِشِرْكِهم. قال تعالى:
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِمْ مُّؤْمِنُون (٤١)﴾ [سبأ]». وينظر أيضاً: «مجموع الفتاوى» (١٧/ ٤٦٠).

<<  <   >  >>