للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قال ابنُ رجبٍ رحمه الله]

سُئِلَ الجُنَيدُ رحمه الله: بِمَا يُستَعَانُ عَلَى غَضِّ البَصَرِ؟، قَالَ: بِعِلمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيكَ أَسبَقُ مِن نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنظُرُه.

وَقَالَ المُحَاسَبِيُّ: المُرَاقَبَةُ عِلمُ القَلبِ بِقُربِ الرَّبِّ (١).

كُلَّمَا قَوِيت المَعرِفَةُ بِاللَّهِ قَوِيَ الحَيَاءُ [مِن قُربِهِ وَنَظَرِهِ].

وَصَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً أَن يَستَحِي مِن اللَّهِ كَمَا يَستَحِي مِن رَجُلٍ من صَالِحِ عَشِيرَتِهِ لا يُفَارِقُهُ (٢) (٣).

قَالَ بَعضُهُم (٤): اِستَحِ مِن اللَّهِ عَلَى قَدرِ قُربِهِ مِنكَ، وَخَفِ اللَّهَ عَلَى قَدرِ قُدرَتِهِ عَلَيكَ.

كَانَ بَعضُهُم (٥) يَقُولُ: مُنذُ أَربَعِينَ سَنَةً مَا خَطَوتُ خُطوَةً لِغَيرِ اللَّهِ، وَلا نَظَرتُ إِلَى شَيءٍ أَستَحسِنُهُ حَيَاءً مِن اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

كَأَنَّ رَقِيباً مِنكَ يَرعَى خَوَاطِرِي ... وَآخَرُ يَرعَى نَاظِرِي وَلِسَانِي

فَمَا أَبصَرَت عَينَايَ بَعدَكَ مَنظَرًا ... لِغَيرِكَ إِلاَّ قُلتُ قَد رَمَقَانِي


(١) «القصد والرجوع إلى الله» (ص ٣١٣).
(٢) في نسخة (ب): [كَمَا يَستَحِي من رَجُلَين صَالِحَين من عَشِيرَتِهِ لا يُفَارِقَانِه].
(٣) أخرجه الطبراني في «الكبير» (رقم ٥٥٣٩) وإسناده جيِّدٌ.
(٤) هو: وُهَيبُ بنُ الوَرْد -رحمه الله-، أسنده عنه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (رقم ٨٤١ و ٨٤٢)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٨/ ١٤٠)، وصَرَّحَ المصنِّفُ باسمه في «جامع العلوم والحكم» (١/ ٤٠٨).
(٥) هو: محمد بن الفضل البَلْخي -رحمه الله-، عزاه إليه ابن الجوزي في «صفة الصفوة» (٤/ ١٦٥)، وزاد في آخره: (ومَا أَمْلَيتُ على مَلَكَيَّ ثلاثين سنة شيئاً، ولو فعلتُ ذلك لاستَحْيَيتُ منهما)، وصَرَّح المصنِّفُ باسمه في كتابه الآخر «جامع العلوم والحكم» (١/ ٢١٤) وقال معلِّقاً: (هؤلاء القوم لما صَلحَت قلوبُهم فَلَم يَبْقَ فيها إرادةٌ لغير الله -عز وجل- صَلحَت جوارحُهم فلم تتحرَّك إلا لله -عز وجل- وبما فيه رضاه).

<<  <   >  >>