«وهذا الإفراد الذي أشار إليه الجنيد نوعان: أحدهما: إفرادٌ في الاعتقاد والخبر، وذلك نوعان أيضاً: أحدهما: إثباتُ مباينة الرب تعالى للمخلوقات، وعُلوِّه فوق عرشه من فوق سبع سموات. والثاني: إفرادُه سبحانه بصفات كماله، وإثباتُها له على وجه التفصيل كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسلُه منزَّهةً عن التعطيل والتحريف والتكييف والتمثيل. وفي هذا النوع يكون إفراده سبحانه بعموم قضائه وقدره لجميع المخلوقات -أعيانها وصفاتها وأفعالها- وأنها كلها واقعةٌ بمشيئته وقدرته وعلمه وحكمته. فيباين صاحبُ هذا الإفراد سائرَ فرق أهل الباطل من الاتحادية، والحلولية، والجهمية الفرعونية الذين يقولون: ليس فوق السموات ربٌّ يُعبد، ولا على العرش إلهٌ يُصلى له ويُسجد، والقدرية الذين يقولون: إن اللَّه لا يَقْدِر على أفعال العباد من الملائكةِ والإنسِ والجنِّ، ولا على أفعال سائر الحيوانات، بل يقع في ملكه ما لا يريد، ويريد ما لا يكون. والنوع الثاني من الإفراد: إفراد القديم عن المحدَث بالعبادة من التألُّه والحبِّ والخوف والرَّجاء والتعظيم والإنابة والتوكُلِّ والاستعانة وابتغاء الوسيلة إليه. فهذا الإفراد وذلك الإفراد بهما بُعِثَت الرُّسُلُ، وأُنزِلَت الكتبُ، وشُرِعت الشَّرائع، ولأجل ذلك خُلقت السموات والأرض، والجنَّة والنَّار، وقام سوق الثواب والعقاب، فيُفرَد القديمُ سبحانه عن المحدَث في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه، وفي إرادتِه وحدَه ومحبتِه وخوفِه ورجائِه، والتوكُّل عليه، والاستعانة والحلف به، والنذر له، والتوبة إليه، والسجود له، والتعظيم والإجلال وتوابع ذلك، ولذلك كانت عبارةُ الجنيد عن التوحيد عبارةً سادَّةً مُسَدَّدةً». وانظر أيضاً: «الاستقامة» لابن تيمية (١/ ٩٢ - ٩٣).