وهكذا الأثر الذي نقله المؤلِّف ﵀ عن وهب بن مُنَبِّه، وهو كلامٌ جَيِّد أيضاً، فإنه لما قيل له: أليس «لا إله إلا اللَّه» مفتاح الجنة؟، قال: بلى، ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنانٌ، فإن جئتَ بمفتاحٍ له أسنان فُتِحَ لك، وإلا لم يُفتَح لك (١).
فالشيء الذي هو سَبَبٌ، لا يتحقق مقتضاه إلا بوجود الشروط وانتفاء الموانع، وهذا الجواب من وهب بن مُنَبِّه جوابٌ محكمٌ، ينتفع به الباحث في أمورٍ كثيرةٍ، واستقرئ هذا في الأمور الكونية، كما في مسألة مفتاح الباب، واستقرائه أيضاً في الأمور الشرعية، حتى في نصوص الوعيد اعتَبِر هذا، فمثلاً جاء الوعيد في شأن القاتل: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)﴾ [النساء]، وجاء في شأن الفارِّ من الزحف: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَار (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير (١٦)﴾ [الأنفال].
ونظائرُ هذا كثيرةٌ في نصوصِ الوعدِ والوعيدِ.
(١) قال الشارح حفظه اللهُ: هذا النوع من المفاتيح معروفٌ وقد أدركناه قديماً، فالأبواب الخشبية القديمة يكون لها سَكَر من الخشب يسمَّى مجرى، والمفتاحُ نفسُه عبارةٌ عن خَشَبةٍ فيها أعوادٌ تسمَّى أسنان، إذا فُقِدَ واحدٌ منها لم يَفتَح؛ لأنَّ هذه الأسنانَ ترفَعُ الأعوادَ التي تَمنَع الخشبةَ المعتَرِضَة التي تَحبِسُ البابَ وتمنَعُه من الحركةِ، فترفع أسنانُ المفتاحِ هذه الأعوادَ فتتحرك الخشبة المعترضة فينفتح الباب.