ثم ذكر المؤلِّف ﵀ أنَّ هذا القول هو الأظهر، ونَسَبَه للحسن البصري، ووهب بن منبه رحمهما اللهُ، ونِسْبَتُه هذا القولَ إليهما لا لاختصاصهما بهذا المعنى، لكن لوجود تلك الآثار عنهما.
فالحسن ﵀ يُبَيِّنُ أنَّه لا يكفي مجرد النطق ب «لا إله إلا اللَّه»، بل لا بد -مع ذلك- من معرفة معناها، والتحقُّق بمقتضاها، ولذا لَمَّا قال للفرزدق: ما أعددتَ لهذا اليوم؟ أجابه الفرزدق بقوله: شهادةَ «أن لا إله إلا اللَّه» منذ سبعين سنة، فقال له الحسن: نَعَم، -وفي بعضِ النُّسَخ: نِعْمَ العُدَّة-، وهذا صحيحٌ، فإن شهادة أن «لا إله إلا اللَّه» هي الأصل، وهي نِعمَ العُدَّة، ولكن لا بد -مع ذلك- من الحذر من معاصي اللَّه، ولذا قال له الحسن محذِّراً:«إياكَ وقَذْفَ المحصَنَة»(١)، وذلك ليبَيِّن له أن هذا لا يُسَوِّغُ له الجرأة على المعاصي وانتهاك الحُرُمات.
وكذلك قوله ﵀ له:«هذا العمودُ، فأين الطُّنُبُ؟»، وهذا من باب التمثيل، ومثله أيضاً قول وهب بن مُنَبِّه في شأن المفتاح كما سيأتي.
فالفُسطاطُ أو الخيمةُ لا تقوم إلا بالعمود مع الطُّنُبُ، فإذا سقط العمود لم تُفِد الطُّنُبُ شيئاً، وإن وُجِدَ العمود ولم توجد الطُّنُبُ لم ينفع العمودُ، فالخيمة يتوقف الانتفاع بها على العمودِ وعلى الطُّنُبِ معاً، فباجتماعهما يحصل الانتفاع والاستظلال.
(١) إنما خصَّه بالنهي عن قذف المحصنة لِمَا عَرَفَ عنه من الإقذاع في هجاء خصومه، وربما جَرَّه ذلك إلى الوقيعة في نسائهم، وقذفهنَّ بما ليس فيهنَّ.