للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في حديث سعدٍ : «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِكَ» (١).

فأهلُ الإيمانِ الكامِلِ كلُّ تصرفاتهم -حتى الأمور الطبيعية العادية- تكون للَّه ﷿، فإذا أنفق الواحدُ منهم على أولادِه فإنَّه يُنْفِقُ عليهم محتَسِباً، يراعي ما أوجبَ اللَّه عليه من الإحسان إليهم، وما يترتب على إنفاقه عليهم من إغنائهم كفايتهم، وإعانتهم على ما ينفعهم، وهكذا تكون أعماله كلها للَّه.

وقول اللَّه ﷿ -في الحديث-: «ولا يزال عبدي يتقرب إلَيَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُه»؛ يعني: المحبةَ الكاملة، وإلا فإنَّ اللَّه يُحِبُّ كلَّ مؤمن، لكن محبته لأوليائه والصالحين من عباده ليست على مرتبةٍ واحدةٍ أو على حدٍّ سواء؛ بل فيها تفاوت وتفاضل كما قال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة: ٢٥٣]، وقال: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ٥٥]، فالأنبياء والصالحون والمؤمنون متفاضلون فيما بينهم في المرتبة والمحبة.

ثم قال تعالى: «فإذا أحبَبْتُه كنتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها» فأفكارُه تكون أيضاً دائرة على الحق، فإذا كانت هذه حال الجوارح، فحركة الجوارح تابعة لما في القلب، وإنما تكون الجوارح متَقَيِّدَة بهذه الحال بكمال عبودية القلب للَّه، حبّاً وخوفاً ورجاءً، وهذا يعني: أن المحقِّق لهذه


(١) متفقٌ عليه، أخرجه البخاري في مواضع من «صحيحه» منها: رقم (٥٦)، ومسلم رقم (١٦٢٨).

<<  <   >  >>