فالأمورُ التي رُتِّبَ عليها الوَعدُ للأعمالِ الصالحةِ أو الوعيدِ على المعاصي كلُّها تقتضي أنَّ هذا الفعلَ سَبَبٌ مقتَضٍ لما رُتِّبَ عليه من ثوابٍ أو ما رُتِّبَ عليه من عقابٍ، والسَّبَبُ لا يتحقَّقُ مقتضَاه إلا بوجود الشُّرَوط وانتفاء الموانع.
فهذه قاعدةٌ مهمةٌ نافعةٌ في أمورٍ كثيرةٍ، وترفع كثيراً من الإشكالات، ففي المثال الذي ذكرتُه آنفاً من الوعيد في حقِّ القاتل المتعمِّد، فإنَّ قَتلَ المؤمنِ عَمداً سَبَبٌ مقتضٍ لدخول النَّار والخلودِ فيها، ولكن دلت نصوصٌ أخرى على أنَّ هناك ما يمنع من ذلك، فالتوبة مانعٌ من هذا الوعيد باتفاق المسلمين، والتوحيدُ أيضاً مانعٌ من الخلود في النَّار باتفاق أهل السُّنَّة.
فهذا الذنبُ العظيمُ سَبَبٌ مقتضٍ للعذاب، وهو مع ذلك مقيَّدٌ بمشيئة اللَّه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء﴾ [النساء: ١١٦].
فعلمنا حينئذٍ أنَّ هذا الوعيد معلَّقٌ على المشيئة، فجائزٌ أن يغفرَ اللَّه لهذا القاتِلِ بما شاء من الأسباب، ولا يُدخِلَهُ النَّار، فيغفر له ويتجاوز عنه ويُرضِي عنه المقتولَ، وقد يكون لهذا القاتل من الأعمال الصالحة ما يقتضي مغفرةَ اللَّه له ونجاتَه من العذاب.
فشهادةُ التوحيدِ -كما قال المؤلِّف: - ما هي إلا سَبَبٌ مقتضٍ لدُخولِ الجنَّةِ والنَّجاةِ من النَّارِ، ولكنَّ المُقتَضِي لا يعمَلُ عَمَلَهُ إلَّا باستِجمَاعِ شرُوطِهِ وانتِفاءِ موانِعِهِ.