للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَأَمَّا مَنْ بَكَى فَيَذُوبُ وَجْداً … وَيَنْطِقُ بِالهَوَى مَنْ قَدْ تَشَاكَا

مَتَى بَقِيَ لِلمُحِبِّ مِنْ نَفْسِهِ حَظٌّ فَمَا بِيَدِهِ من المَحَبَّةِ إِلَّا الدَّعْوَى، إِنَّمَا المُحِبُّ مَنْ يَفْنَى عَنْ [هوى] نَفْسِهِ كُلِّهِ، وَيَبْقَى بِحَبِيبِهِ، فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ.

القَلبُ بَيتُ الرَّبِّ، وفي الإِسرَائِيلِيَّات يَقُولُ اللَّه: «مَا وَسِعَنِي سَمَائِي وَلا أَرْضِي، وَلَكِن وَسِعَنِي قَلْبُ عَبدِي المُؤمِن» (١).

فَمَتَى كَانَ القَلبُ فِيهِ غَير اللَّه، فَاللَّه أَغنَى الأَغْنِيَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، وَهو لَا يَرْضَى بِمُزَاحَمَةِ أَصْنَامِ الهَوَى، الحقُّ تَعَالَى غَيُورٌ، يَغَارُ عَلَى عَبدِهِ المُؤمِن أَنْ يَسْكُنَ في قَلْبِهِ سِوَاهُ، وأَن يَكُونَ فِيهِ شَيءٌ لا يَرْضَاهُ.

أَرَدْنَاكُمُ صِرْفاً فَلَمَّا مَزَجْتُمُ … بَعُدْتُمْ بِمِقْدَارِ التِفَاتِكُمْ عَنَّا

وَقُلْنَا لَكُمْ لا تُسْكِنُوا القَلبَ غَيرَنَا … فَأَسْكَنْتُمُ الأَغْيَارَ مَا أَنْتمُ مِنَّا (٢)


(١) سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الأثر -كما في «مجموع الفتاوى» (١٨/ ٣٧٠) - فقال: «هذا ما ذَكَرُوهُ في الإسرائيليات ليسَ لَهُ إسنَادٌ مَعرُوفٌ عن النَّبِيِّ ، ومعنَاهُ: وَسِعَ قَلبُهُ مَحَبَّتِي ومَعرِفَتِي، وما يُروَى: «القَلبُ بَيتُ الرَّبِّ» هذا مِنْ جِنسِ الأَوَّلِ، فإِنَّ القَلبَ بَيتُ الإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى ومَعرِفَتِهِ ومَحَبَّتِهِ .... ».
وقال عنه العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (٣/ ١٥): «لم أَرَ لَهُ أصلاً».
(٢) هذان البيتان ذكرهما ابن الجوزي في «المدهش» (ص ٣٢٦)، ولم ينسبهما لأحد.
وقد ذكر بهاء الدين العاملي في «الكشكول» (١/ ١٢٣): أن أبا بكر الشِّبْلِي -أحدُ أعيانِ الصوفية- سمع رجلاً ينشد:
أَرَدْنَاكُمُ صِرْفاً فَإِذْ قَدْ مَزَجْتُمُ
فَبُعْداً وَسُحْقاً لا نُقِيْمُ لَكُمْ وَزْناً
ولم يذكر سوى هذا البيت، وهو مطابقٌ في معناه لما أورده ابنُ رجب.

<<  <   >  >>