للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا المعنى يقول ابن القيم ﵀ في «النونية» (١):

فَلِوَاحِدٍ كُنْ وَاحِداً في وَاحِدٍ … أَعْنِي سَبِيلَ الحَقِّ وَالإِيْمَانِ

فقوله: (فلِوَاحِدٍ كُنْ وَاحِداً)؛ يعني: كن عبداً للَّهِ الواحدِ، لا تكن عبداً لغيره.

وقوله: (في وَاحِدٍ)؛ يعني: في الطريق، فإنَّ طريقَ الحقِّ وَاحِدٌ.

وكأنَّ قوله: (حتى ينفرد فرداً بفردٍ) يشير به إلى مقام «الفناء» عند الصوفية، وهو أن يغيب بمشهودِه عن شهودِه، وبمعروفِه عن معرفَتِه، وبمذكورِه عن ذِكرِه، وليس هذا المقام من مقامات الدِّين التي جاء بها الرسولُ ﷺ، فضلاً عن أن يكون أعلى مقامات الدين أو يكون من لوازم طريق اللَّه، كما حقَّق ذلك وحرَّره شيخُ الإسلام ابن تيمية ﵀ (٢).

ثم ذكر المؤلِّف في آخر القصة أنَّ هذا العارف لما قال هذه المقالة غُشِيَ عليه وصُعِقَ، وهذا يحدث لبعض الصوفية.

ومسألة «الغَشْي والصَّعْقُ» فيها كلامٌ معروفٌ لشيخ الإسلام ابنِ تيمية وغيرِه (٣)، وهو أنَّ الغَشْيَ ليس بمشروعٍ، لكن الإنسان إذا غَلَبَه الصَّعْقُ والغَشْي فإنَّه يكونُ حينئذٍ معذوراً، ولم يُعرَف الصَّعْقُ والغَشْي


(١) (٢/ ٧٥٠، بيت رقم ٣٤٨٢).
(٢) ينظر: «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٢٢١ - ٢٢٣)، و «طريق الهجرتين» لتلميذه ابن القيم (ص ٢٦١).
(٣) ينظر: «مجموع الفتاوى» (١١/ ٧ - ١٤) و (١٠/ ٣٤٨ - ٣٥٣) و (٢٢/ ٥٢٢)، و «جامع المسائل» (٥/ ٢٣٣).

<<  <   >  >>