وتحقيقُ هذا المعنى وإيضَاحُه أنَّ قولَ العبدِ:«لا إله إلا اللَّه»، يقتضي أن لا إله له غير اللَّه، و «الإله» هو الذي يُطَاعُ فلا يُعصَى؛ هيبةً له وإِجلالاً، ومحبةً، وخوفاً، ورجاءً، وتوكلاً عليه، وسؤالاً منه، ودعاءً له، ولا يَصْلُحُ ذلك كلُّه إلا للَّه ﷿.
فمن أشرَكَ مخلوقاً في شيءٍ من هذه الأمور التي هي من خَصَائِصِ الإِلَهِيَّة، كَانَ ذَلكَ قَدْحاً في إِخلَاصِه في قَولِ: لا إله إلا اللَّه، ونَقصاً في توحِيدِهِ، وكانَ فيه من عُبُودِيَّةِ ذلك المخلُوقِ بحسْبِ ما فِيهِ مِنْ ذَلكَ، وهذا كُلُّه من فُرُوعِ الشِّرْكِ.
ولهذا وَرَدَ إطلاقُ الكفرِ والشِّركِ على كثيرٍ من المعاصي التي مَنشَؤهَا من طَاعةِ غيرِ اللَّه، أو خَوفِهِ أو رَجَائِهِ، أو التوَكُّلِ عليه أو العَمَلِ لأجْلِهِ، كَمَا وَرَدَ إطلاق «الشِّركِ» على الرِّيَاء، وعلى الحَلِفِ بغيرِ اللَّه، وعلى التوَكُّلِ على غيرِ اللَّه والاعتِمَادِ عَلَيهِ، وعلى من سوَّى بين اللَّه وبين المخلُوقِ في المشِيئَةِ، مثل أن يقول: ما شَاءَ اللَّه وشَاءَ فُلانٌ، وكذا قولُه: ما لي إلا اللَّه وأنْتَ.
وكذلك ما يَقْدَحُ في التوَكُّلِ، وتَفَرُّدِ اللَّه بالنَّفْعِ والضُّرِّ؛ كالطِّيَرَة، والرُّقَى المكرُوهَةِ، وإتيانِ الكُهَّانِ وتَصْدِيقِهم بما يَقُولُون.
وَكَذَلكَ اتِّبَاعُ هَوَى النَّفْسِ فِيمَا نَهَى اللَّه عَنْهُ قادحٌ في تَمَامِ التَّوحِيدِ وَكَمَالِهِ، ولهذا أطلقَ الشَّرْعُ على كثيرٍ من الذُّنُوبِ التي