للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك هذا الكلام -إن صحَّ- فهو كلام أحدُ الصوفية الجهَّال، الذين عندهم محبةٌ وشوقٌ، ولكن على غير علمٍ وبصيرةٍ.

فحبُّ الأنبياء والمرسلين لربهم ﷿ لم يُعَطِّل عليهم كلَّ شيءٍ، أليسوا يتزوَّجون، ولهم ذرية وأموال؟ ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ [الرعد: ٣٨]، أليسوا يأكلون ويشربون، ويمشون في الأسواق، ويقضون حوائجهم؟ ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٢٠].

ومع هذا فحبُّهم للَّه وإقبالُهم عليه لم يُعطِّل عليهم لذَّاتهم الطبيعية، حتى يتركَ الواحدُ منهم أهلَه وولَدَه ولَذَّاتِه، وهي أمورٌ بشريةٌ طبيعيَّةٌ.

فهو سبحانه شرع للإنسان أن يأكل ويشرب، و «كَانَ رَسُولُ اللَّه ﷺ يُحِبُّ الحَلوَى وَالعَسَلَ» (١)، وقال ﷺ: «حُبِّبَ إِليَّ مِنْ دُنيَاكُمُ النِّسَاءُ والطِّيبُ، وجُعِلَت قُرَّةُ عَينِي في الصَّلَاةِ» (٢).


(١) متفقٌ عليه من حديث عائشة ﵂، أخرجه البخاري رقم (٥١١٥)، ومسلم رقم (١٤٧٤).
(٢) أخرجه النسائي في «المجتبى» رقم (٣٩٣٩)، وأحمد في «المسند» رقم (١٢٢٩٣)، وأبو يعلى في «مسنده» رقم (٣٤٨٢)، والبزَّار في «مسنده» رقم (٦٨٧٩)، وغيرهم من طريق سلام أبي المنذر القارئ، ثنا ثابت البناني عن أنسٍ به مرفوعاً.
قال ابن حجر في «الفتح» (١١/ ٣٤٥): «أخرجه النسائي وغيره بسندٍ صحيحٍ»، وصحَّحه أيضاً ابن الملقن في «البدر المنير» (١/ ٥٠١)، وقال العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء»: «إسناده جيِّد»، وقال الذهبي في «الميزان» (٢/ ١٧٧): «إسناده قويٌّ».
لكن يُعَكِّر على أحكام هؤلاء الحفَّاظ أن الإمامَ الدارقطني قد أعلَّ هذه الرواية المسندة، وذكر أن بعض الثقات من أصحاب ثابت -ومنهم حماد بن زيد- رووه عن ثابتٍ مرسلاً، ثم قال: «والمرسل أشبه بالصواب». [ينظر: «علل الدارقطني» رقم (٢٣٨٥)].

<<  <   >  >>