للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا إبراهيمُ لما دَخَلَ عليه ضَيفُه خَافَ منهم، فقال: ﴿إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُون (٥٢) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيم (٥٣)[الحجر]، ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيم (٢٨)[الذاريات].

وهذا موسى لما ألقى السَّحَرَةُ عِصِيَّهم وحِبَالَهُم وخُيِّلَ إليه -من سِحْرِهم- أنَّها تسعى خَاف، كما قال تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (٦٨)[طه]، وشواهد هذا كثيرة.

وهكذا المحبةُ للأشياءِ الطبيعية، فكَانَ رَسُولُ اللَّه «يُحِبُّ الحَلْوَى وَالعَسَلَ» (١)، وكان «يُحِبُّ الدُّبَّاء» - كما جاء في حديث أنس (٢) وكان يقول: «حُبِّبَ إِليَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ والطِّيْبُ» (٣).

فكلُّ هذا لا ينافي محبَّة اللَّه، وإنما الذي ينافي محبَّة اللَّه هي المحبَّة التي فيها عبوديةٌ، بحيث إنَّه يُؤثِر هذه المحبوبات على أمرِ اللَّه، وعلى شرعِ اللَّه، وعلى ما يُحِبُّه اللَّه، فيُقَدِّم هَوَاهُ وما يُحِبُّه من هذه المحبوبات على ما يُحِبُّه اللَّه ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾ الآية [التوبة: ٢٤]، وفي الحديث: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ» (٤).


(١) تقدم تخريجه قريباً.
(٢) أخرجه بهذا اللفظ: أحمد في «المسند» رقم (١٢٨١١)، والنسائي في «الكبرى» رقم (٦٦٣٠) وغيرهما.
والحديث في «الصحيحين» بلفظ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الصَّحْفَةِ»، قَالَ أنسٌ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مُنْذُ يَوْمَئِذٍ. أخرجه البخاري رقم (١٩٨٦)، ومسلم رقم (٢٠٤١). و «الدُّبَّاء»: هو القَرَع.
(٣) تقدم تخريجه قريباً.
(٤) تقدَّم تخريجه ص ٨٥.

<<  <   >  >>