للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: (وَبِهَا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى كِفَاحاً)، إن أراد بقوله: «كِفَاحاً»؛ أي: بلا واسطة منه إليه، ولكن من وراء حجاب، فهذا حقٌّ، وهذه خصوصية لموسى أنَّ اللَّه كلَّمَه بلا واسطة، ولكن لفظة «كفاح» تشعر بالرؤية، وهذا المعنى من قَصَدَه فهو غَالِطٌ ومخطئٌ، والمؤلِّف -قَطعاً- لا يريد ذلك، فإنه لا يمكن أن يريد بقوله: (كفاحاً) أنَّ اللَّه كَلَّم موسى من غير حجاب، بل كَلَّمَه مَنْ وراء حجاب.

وقد جاء في شأن عبد اللَّه بن حرام -والد جابر الذي استُشهِدَ في وقعة أُحد، أن النبي قال لابنه جابر: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِي اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟»، فقال: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَداً قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحاً» (١)، فقوله هنا: «كَلَّمَه كِفَاحاً»؛ يعني: أنَّه كَلَّمَه من غَيرِ حِجَابٍ، وهذا في عالم الآخرة، وليس في عالم الدنيا.

* * *


(١) أخرجه الترمذي في «جامعه» رقم (٣٠١٠)، وابن ماجه في «سننه» رقم (١٩٠ و ٢٨٠٠)، وأحمد في «المسند» رقم (١٤٨٨١)، وابن خزيمة في «التوحيد» رقم (٥٩٩) وغيرهم، وهو حَسَنٌ بمجموع طرقه، وقد صحَّحه ابن حبان والحاكم.

<<  <   >  >>