للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونهاه عن أن يُحَدِّثَ به عمومَ النَّاسِ، ولا شك أنَّ في أصحاب رسول اللَّه ﷺ قومٌ كثيرٌ ممن هو في منزلة معاذٍ وفوقها.

ولهذا أبو هريرة ﵁ لما أَخبَر عن الرسول ﷺ بهذا المعنى أنكر عليه عمر ﵁ أن يُحَدِّثَ به، واستثبتَ منه الحديثَ، حتى رجع أبو هريرة إلى النبي ﷺ يشتكي عمر، فذكر له عمرُ أنَّه يخاف على الناس أن يتَّكِلُوا، فقال رسول اللَّه ﷺ: «خَلِّهِم يَعمَلُون» (١).


(١) والقصة أخرجها الإمام مسلم رقم (٣١)، ولفظه: عن أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: كُنَّا قُعُوداً حَولَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَنَا أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ في نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ بَينِ أَظهُرِنَا فَأَبطَأَ عَلَينَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقتَطَعَ دُونَنَا، وَفَزِعنَا فَقُمنَا، فَكُنتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجتُ أَبتَغِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى أَتَيتُ حَائِطاً لِلأَنصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَدُرتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَاباً فَلَم أَجِد، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدخُلُ في جَوفِ حَائِطٍ مِنْ بِئرٍ خَارِجَةٍ -وَالرَّبِيعُ الجَدوَلُ- فَاحتَفَزتُ كَمَا يَحتَفِزُ الثَّعلَبُ، فَدَخَلتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «أَبُو هُرَيرَةَ؟!». فَقُلتُ: نَعَم يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «مَا شَأنُكَ؟». قُلتُ: كُنْتَ بَينَ أَظهُرِنَا فَقُمتَ فَأَبطَأتَ عَلَينَا فَخَشِينَا أَنْ تُقتَطَعَ دُونَنَا فَفَزِعنَا فَكُنتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ فَأَتَيتُ هَذَا الحَائِطَ فَاحتَفَزتُ كَمَا يَحتَفِزُ الثَّعلَبُ وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيرَةَ» -وَأَعطَانِي نَعلَيهِ- قَالَ: «اذهَب بِنَعلَيَّ هَاتَينِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الحَائِطِ يَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُستَيقِناً بِهَا قَلبُهُ فَبَشِّرهُ بِالجَنَّةِ» فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعلَانِ يَا أَبَا هُرَيرَةَ؟ فَقُلتُ: هَاتَانِ نَعلَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُستَيقِناً بِهَا قَلبُهُ بَشَّرتُهُ بِالجَنَّةِ. فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَينَ ثَديَيَّ فَخَرَرتُ لاستِي، فَقَالَ: ارجِع يَا أَبَا هُرَيرَةَ، فَرَجَعتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَجهَشتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي، فَقَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيرَةَ؟». قُلتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخبَرتُهُ بِالَّذِي بَعَثتَنِي بِهِ فَضَرَبَ بَينَ ثَديَيَّ ضَربَةً خَرَرتُ لاستِي، قَالَ: ارجِع، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا عُمَرُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلتَ؟». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَبَعَثتَ أَبَا هُرَيرَةَ بِنَعلَيكَ مَنْ لَقِيَ يَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُستَيقِناً بِهَا قَلبُهُ بَشَّرَهُ بِالجَنَّةِ؟ قَالَ: «نَعَم». قَالَ: فَلَا تَفعَل فَإِنِّي أَخشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيهَا فَخَلِّهِم يَعمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَخَلِّهِم».

<<  <   >  >>