مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين (٨٣)﴾ [ص]، وفي قراءةٍ سَبعِيَّةٍ (١): ﴿الْمُخْلِصِين﴾ بكسر اللام، فهم مخلِصون للَّه في أعمالهم، وهم أيضاً عبادُ اللَّه المخلَصون، فليس فيهم عبودية لغيره سبحانه، وهذا يَصْدُقُ على الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين، فهم مخلِصُون للَّه في أعمالهم وأقوالهم الظاهرة، ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّين (٢)﴾ [الزمر]، و ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: ١٤، ١٥].
أما من يتبع هواه فيما يخالف هدى اللَّه فليس بمخْلِصٍ ولا مُخْلَصٍ، ولو كان عنده شيءٌ من أصل العبودية للَّه.
فالعبودية للَّه المتضمنة لمحبته وتعظيمِه وطاعتِه الناسُ فيها على مراتب، فأكمل الخلق عبودية للَّه هو الرسول ﷺ، وهو مقامٌ شريفٌ شرَّفه اللَّه به، ونوَّه بوصفه بالعبودية في مواضع، فقال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة: ٢٣]، وقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١]، وقال: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩]، وقال تعالى عن نوح ﵇: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣)﴾ [الإسراء]، وقال: ﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾ [القمر: ٩].
فالعبودية هنا هي عبوديةٌ خاصَّةٌ، فالرُّسُلُ والأنبياءُ والصدِّيقُون على اختلاف مراتِبِهم هم الذين حقَّقُوا العبودية للَّه، فحَقَّقُوا التوحيد، وأخلصوا الدين للَّه، فلم تُزَاحم محبةَ اللَّه في قلوبهم محبةُ غيرِه، وسيأتي مزيد كلام في المحبة فيما يأتي.
(١) وهي قراءة ابن كثير المكي وأبي عمرو البصري وابن عامر الشامي.