للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا واقع الصّحابة رضي الله عنهم يرينا أن الواحد منهم كان يكتفي بخبر الواحد في أُمور دينه؛ سواء ما كان منها اعتقاديًّا، أو عمليًّا.

٤ - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: سمعتُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يقول: "نضَّرَ اللهُ امرءًا سَمِعَ منَّا حديثًا، فحفظهُ حتَّى يُبَلِّغَهُ، فربَّ مُبَلَّغ أوعى من سامع" (١).

وهذا أيضًا لا يقتصر على أحاديث الأعمال دون غيرها، بل هو عامٌّ متناولٌ لأحاديث الأعمال والأحكام الاعتقادية، فلو لم يكن الإِيمان بما يثبت عنه - صلّى الله عليه وسلم - من عقائد بأخبار الآحاد واجبًا؛ لما كان لهذا الأمر من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بتبليغ حديثه مطلقًا معنى، بل لبيَّنَ الرسول - صلّى الله عليه وسلم - أن ذلك مقصورٌ على أحاديث الأعمال دون غيرها.

هذا؛ والقول بأن أحاديث اللآحاد لا تثبت بها عقيدة قولٌ مبتَدَعٌ محدَثٌ لا أصلَ له في الدين، ولم يقلْ به واحدٌ من السَّلف الصالح رضوان الله تعالى عليهِم، ولم يُنْقَلْ عن أحدٍ منهم، بل ولا خطَرَ لهُم على بالٍ، ولو وُجِدَ دليلٌ قطعيٌّ يدلُّ على أن أحاديث اللآحاد لا تثبُتُ بها عقيدةٌ؛ لعلّمه الصّحابة، وصرَّحوا به، وكذلك مَنْ بعدَهم من السَّلَف الصالح.

ثمّ إن هذا القول المبتَدَعَ يتضمَّن عقيدةً تستلزمُ ردَّ مئات الأحاديث


(١) "مسند أحمد" (٦/ ٩٦) (ح ٤١٥٧)، تحقيق وشرح أحمد شاكر.
وقد رواه الإمام أحمد بإسنادين صحيحين.
وانظر: كتاب "دراسة حديث (نضَر الله امرءًا سمع مقالتي) رواية ودراية" (ص ٣٣ - وما بعدها) للشيخ عبدالمحسن بن محمّد العباد، طبع مطابع الرشيد بالمدينة المنوَّرة، الطبعة الأولى، (١٤٠١ هـ).

<<  <   >  >>