للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَجَّاج، وماء ثَجَّاج، يخرج من بحره مَرْجَان الحِكَم، وينبت بثجَّاجه ألفاف النِّعَم في رِيَاض الهِمم، لقد حفظ من علوم المسلمين، وأربى على أهل كلِّ دين، وألَّف "المِلل والنِّحَل"، كان أولًا يَلْبَس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلَّا بالسَّرير، مَدَح المعتمد فأجاد، وقَصَد بَلنْسِية، وبها المُظَفَّر أحد الأطْواد، حدَّثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببَلَنْسِية وهو يدرِّس المذهب إذا بأبي محمد بن حَزْم يسمعنا، ويتعجب، ثم سأل الحاضرين عن شيء من الفِقْه جُووب عليه، فاعترض فيه، فقال بعض الحُضَّار: هذا العِلْم ليس من منتحلاتك. فقام وقعد، ودخل منزله فعَكَفَ، ووَكَفَ منه وابِلٌ فما كَفَّ، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصَدْنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسن مناظرة، قال فيها: أنا أتبع الحقَّ وأجتهد، ولا أتقيد بمذهب.

وقال الشَّيخ عِزّ الدِّين بن عبد السَّلام: ما رأيت في كُتُب الإسلام مثل "المُحَلَّى" لابن حَزْم، و"المغني" للشَّيخ الموفَّق (١).

وقال أبو الخَطَّاب بن دحية: كان ابنُ حَزْم قد بَرِصَ من أكل اللُّبَان (٢)، وأصابه زَمَانة، وعاش اثنتين وسبعين سنة إلّا شهرًا.

وقال أبو محمد عبد الله بنُ محمد بن العَرَبي: أخبرني ابنُ حزم أن سبب تعلُّمِه الفِقْه أنَّه شَهِدَ جِنَازةً، فَدَخل المسجد، فَجَلَس ولم يركع، فقال له رجلٌ: قُمْ فصَلِّ تحيَّة المسجد، وكان ابن ستٍّ وعشرين سنة.


(١) ستأتي ترجمة الموفق برقم (١٠٩١) من هذا الكتاب.
(٢) هو نبات من الفصيلة البخورية يفرز صمغًا، ويسمى الكندر، انظر فوائده في "المعتمد في الأدوية المفردة": ٤٣٤ - ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>