للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم عَدَل إلى الظَّاهر، فنقَّحَه، وجادل عنه، ولم [يَكُ] (١) يلطِّف صَدْعَه بما عنده بتعريضٍ ولا بتَدْريجٍ، بل يَصُكُّ به معارِضَه صَكَّ الجَنْدَل (٢)، وَيُنْشِقُه إنْشَاقَ الخَرْدَل (٣)، فتنفِرُ عنه القلوب، وتقع به النُّدوب، حتى استهدف إلى فُقَهاء وَقْته، فتمالؤوا عليه، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذرُوا سلاطينَهُمْ من فِتْنَتِه، ونَهَوْا عوامَّهم عن الدُّنُوِّ منه، فطَفِقَ الملوك يُقْصُونه، ويسيِّرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به مُنْقَطَع أثره, وهي بلدة من بادية لَبْلَة (٤)، وهو في ذلك غَيرُ مَرْتَدع ولا راجعٍ، يَبُثُّ عِلْمَه فيمن يَنْتَابُه من بِاديةِ بلده، من أَصَاغر الطَّلَبة الذين لا يَخْشَوْن فيه المَلامة، يُسْمِعهم ويفقِّهُهم ويُدَارسهم، [حتى] (٥) كَمُل من مُصَنَّفاته وقْرُ بعير لم يجاوز أكثرُها عَتَبَةَ باديته لزُهْد الفُقَهاء فيها، حتى لأُحْرِقَ بعضُها بإشْبيلية، ومُزِّقت علانية، وأكبر معايبه -زعموا- عند المُنْصِف له جَهْلُه بسياسة العِلْم التي هي أعوص من إتقانه (٦)، وتخلُّفه عن ذلك على قوّة


(١) ما بين حاصرتين مستدرك على هامش الأصل، ولم يظهر في التصوير، والمثت من "الذخيرة": مج ١ / ق ١/ ١٦٨.
(٢) الجندل: الحجارة، وقيل: هو الحجر كله. "اللسان" (جندل).
(٣) الخردل: نبات عشبي من فصيلة الصليبيات، ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق، تستعمل بزوره في الطب، ومنه بزور يتبل بها الطعام. "المعجم الوسيط": ١/ ٢٢٤.
(٤) غربي قرطبة، بينها وبين قرطبة على طريق إشبيلية خمسة أيام. "معجم البلدان": ٥/ ١٠.
(٥) ما بين حاصرتين ساقط في الأصل، والمثبت من "الذخيرة": مج ١ / ق ١/ ١٦٩.
(٦) في الأصل: إيعابه، وكذا في "تذكرة الحفاظ": ٣/ ١١٥٢، وفي "الذخيرة" أعرض من إيعابه، والمثبت من "معجم الأدباء": ١٢/ ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>