للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَخْذِ الشُّيُوخِ الْأَحْكَامَ مِنْ مَفْرُوضَاتِ الْمُدَوَّنَةِ اهـ فَقِفْ عَلَى أَنَّ مَسَائِلَ الْمُدَوَّنَةِ تُؤْخَذُ مِنْهَا الْأَحْكَامُ، وَلَا يُقَالُ إنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ هِيَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ لَا ابْتِدَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي شَرْحِ الْحَطَّابِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ " وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ " بَعْدَ أَنْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ وَتَوَكُّلِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بِكْرًا أَوْ غَيْرَهَا. ثُمَّ قَالَ: " فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْخِصَامِ فِي تَخْلِيصِ مَالِهِ وَطَلَبِ حُقُوقِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ "، وَيَصِحُّ عَلَى مَا قَالَهُ فِي اللُّبَابِ وَنَقَلَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَهُ خَالَفَهُ. فِيهِ وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَالِهِ فَلَا يَجُوزُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الْبَحْثِ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا.

وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا فَيَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ بَلْ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْقِيَامُ بِذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا وَكِيلًا فَيَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْحَاجِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ.

(وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَتَابِعُوهُ كَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ، فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ. قَالَ: وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا الْمَنْعُ مِنْ تَوْكِيلِهِ وَتَوَكُّلِهِ وَهِيَ إحْدَى الطَّرِيقَيْنِ كَمَا عَمِلْتَ وَلَكِنْ يُقَيَّدُ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.

(وَلِمَنْ تَصَرَّفَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَوْكِيلٌ أَوْ بِيَجُوزُ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) يَتَعَلَّقُ بِتَوْكِيلٌ وَ (بِذَاكَ اتَّصَفَا) وَالْإِشَارَةُ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ.

وَمَنَعُوا التَّوْكِيلَ لِلذِّمِّيِّ ... وَلَيْسَ إنْ وَكَّلَ بِالْمَرْضِيِّ

يَعْنِي أَنَّ الْفُقَهَاءَ مَنَعُوا أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا؛ لِكَوْنِهِ لَا يَتَّقِي الْحَرَامَ فِي مُعَامَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْتَضُوا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ وَكِيلًا لِذِمِّيٍّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إهَانَتِهِ وَالِاعْتِذَارِ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : وَكَأَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَشَدُّ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُ الشَّيْخُ بِلَفْظِ الْمَنْعِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِنَفْيِ الرِّضَا اهـ.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " قَالَ مَالِكٌ: " لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ نَصْرَانِيًّا إلَّا لِخِدْمَةٍ فَأَمَّا لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ أَوْ لِيُبْضِعَ مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ لِعَمَلِهِمْ بِالرِّبَا وَاسْتِحْلَالِهِمْ لَهُ ".

(قَالَ مَالِكٌ) : " وَكَذَا عَبْدُهُ النَّصْرَانِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ وَلَا شِرَائِهِ وَلَا اقْتِضَائِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ أَنْ يَأْتِيَ الْكَنِيسَةَ وَلَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ ".

(قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : " وَلَا يُشَارِكُ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ لَا يَغِيبَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ ". قَالَ: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقِيَهُ إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ لَا يَعْصِرُ حِصَّتَهُ خَمْرًا ". قَالَ: " وَلَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَدْفَعَ لِذِمِّيٍّ قِرَاضًا لِعَمَلِهِ بِالرِّبَا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِرَاضًا لِئَلَّا يُذِلَّ نَفْسَهُ ".

يُرِيدُ: " وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ " اهـ. وَهَذَا النَّصُّ كُلُّهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ أَعْنِي تَوْكِيلَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ إلَّا قَوْلَهُ آخِرًا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِرَاضًا لِئَلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>