للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُذِلَّ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ شَاهِدٌ لِلْفَرْعِ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُ الْمُسْلِمِ وَكِيلًا لِلذِّمِّيِّ، وَالْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمِ الْكَافِرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ الشَّعْبَانِيُّ: الْوَكَالَاتُ أَمَانَاتٌ وَيَنْبَغِي لِأُولِي الْأَمَانَاتِ أَنْ لَا يُوَكِّلُوا أُولِي الْخِيَانَاتِ. (قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ) : كَفَى بِالْمَرْءِ خِيَانَةً أَنْ يَكُونَ أَمِينًا لِلْخَوَنَةِ.

وَمَنْ عَلَى قَبْضٍ صَبِيًّا قَدَّمَا ... فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغُرَمَا

تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَكِيلِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا لِقَوْلِهِ فِي الشَّطْرِ الثَّانِي مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) وَذَكَرَ هُنَا أَنَّ مَنْ قَدَّمَ أَيْ وَكَّلَ صَبِيًّا عَلَى قَبْضِ دَيْنٍ فَقَبَضَهُ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لَهُ.

(قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ) : " مَنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ دَيْنٍ لَهُ صَبِيًّا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ رَضِيَ بِهِ وَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ ". وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ كَالْمُخَالِفِ لِهَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ كَوْنِهِ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِجَائِزِ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، فَعَلَى ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ هُنَا أَنْ تُمْنَعَ هَذِهِ الْوَكَالَةُ فَتَأَمَّلْهُ.

(وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) " وَلَا يُوَكِّلُ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ، وَلَا كَبِيرٌ لِطِفْلٍ، وَلَا طِفْلٌ لِكَبِيرٍ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ " فَمَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ صِلَتُهُ قَدَّمَا، (وَصَبِيًّا) مَفْعُولُهُ (وَعَلَى قَبْضٍ) يَتَعَلَّقُ بِقَدِمَ، وَجُمْلَةُ (فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ) خَبَرُ مَنْ، (وَلِلْغُرَمَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِبَرَاءَةٍ انْتَهَى.

وَجَازَ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَا ... وَمَنْعُ سَحْنُونٍ لَهُ قَدْ نُقِلَا

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيَدْفَعُ حُجَّةَ طَالِبِهِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْمَطْلُوبِ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ إلَّا سَحْنُونًا؛ فَإِنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِلطَّالِبِ وِفَاقًا لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ لِلْمَطْلُوبِ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ التَّوْكِيلَ جَازَ ذَلِكَ لَهُ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَكَانَ سَحْنُونٌ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَكِيلًا إلَّا مِنْ امْرَأَةٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهَا أَوْ مَرِيضٍ أَوْ مُرِيدِ سَفَرٍ أَوْ مَنْ تَبَيَّنَ عُذْرُهُ أَوْ مَنْ كَانَ فِي شُغْلِ الْأَمِيرِ أَوْ عَلَى خُطَّةٍ لَا يَسْتَطِيعُ مُفَارَقَتَهَا كَالْحِجَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ مِنْ كُلِّ طَالِبٍ.

وَحَيْثُمَا التَّوْكِيلُ بِالْإِطْلَاقِ ... فَذَلِكَ التَّفْوِيضُ بِاتِّفَاقِ

يَعْنِي أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ تَكُونُ مُفَوَّضَةً أَيْ عَامَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَا تُخَصُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَتَكُونُ مُقَيَّدَةً كَوَكَّلْتُكَ عَلَى كَذَا فَتَخْتَصُّ بِذَلِكَ فَإِذَا وَرَدَ لَفْظُ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْوَكَالَةِ الْمُفَوَّضَةِ الْعَامَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ لَفْظَ التَّوْكِيلِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا عِلْمُ مُتَعَلَّقِهَا خَاصًّا أَوْ عَامًّا بِلَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ أَوْ عُرْفٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ، فَلَوْ أَتَى لَفْظُ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا كَأَنْتَ وَكِيلِي أَوْ وَكَّلْتُكَ فَطَرِيقَانِ (فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ) وَابْنُ شَاسٍ: " لَغْوٌ "، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " لَمْ يُفِدْ. " وَقَالَ ابْن رُشْدٍ: إنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>